Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الأحد، يناير 29، 2006

يوميات

حظي المنحوس لا بد وأن تكون ذبابة منحرفة من طراز تسي تسي الفتاكة قد زارته في يوم أغبر، فمنذ أن نُكبتُ بمعرفته وهو لا يكاد يفيق أبدا وإلا كيف يمكن لي تفسير هذا النحس الذي لا ينفك يطاردني حيث ذهبت؟! أو ربما كان في السماء من يكن لي حقداً دفيناً ولا يفتأ يشيني عند الرب ويؤلبه عليّ ليحيل كل مشاريعي إلى "فشاريع" مكتوب عليها الفشل حتى قبل أن تبدأ!

قبل يومين كان الجو حاراً بعض الشيء عند خروجي من المنزل صباحاً،،، امتطيت سيارتي العجوز، المعروفة بـ "معصومة" بين نساء الحي،، أدرت مكيفها فتمطّى وفغر فاه متثائباً ليعلن عن صحوة طال انتظارها بعد بيات شتوي استمر أشهراً عدة،،، عطس في وجهي عاصفة من الغبار والأتربة المحملة بأجنحة الحشرات التي لم تجد مكاناً لتنتحر فيه غير مكيف سيارتي البائسة،،، انتفضت "معصومة" وكأنها في حفلة فجور ماجنة وعلا منها شخير ونخير وتأوهات إيروسية فاجرة حتى أيقنت بأنها فاطسةٌ لا محالة إلا أنها تابعت تلك الرهزات على وقع نوبة الربو التي ألمت بها فجأة بعد إدارة مكيفها دون أن تتوقف أو أن تصل ذروتها. بعد أكثر من خمس دقائق على تلك الحال ارتفعت درجة الحرارة بدلاً من أن تنخفض واستحال الجو داخلها إلى جحيم حقيقي مما اضطرني لإطفاء المكيف والرضوخ للأمر الواقع الذي فرضته عليّ الطبيعة.

عند عودتي للمنزل وجدت بأن إدخال "معصومة" للكراج كان أمراً مستحيلاً، فقد احتلته قطة شرسة ووقفت عند بابه تدافع عن حياضها باستماتة وبعد قرابة العشر دقائق من الكر والفر معها استسلمت وسحبت قواتي للخارج،،، كنت قد شاهدت هذا القطة مراراً تصطحب معها قطط صائعة مائعة منحرفة لإحياء حفلات مجون في الليالي الباردة إلا أنني احترمت حرياتهم الشخصية ولم أتدخل بالرغم من علو أصواتهم في تلك الليالي الضلماء واحتمال تحريكها للغرائز الشيطانية إلا أنني وبعد هذه الحادثة المؤسفة قررت أن أفرض قوانين العفة داخل الكراج وحتماً سأفرض على هذه القطط السافلة فصلاً بين الجنسيين وإذا تفاقم الوضع سأنشئ جهازاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الطريقة القططية.
صباح اليوم التالي التقيت برجل كهل لا أعرفه داخل غرفة المصعد فحياني بحرارة كأنه يعرفني لسنين طويلة وعندما وصلت الدور الذي أردت النزول عنده استوقفني وأخرج من جيب ثوبه الأبيض حمبصيصة* يتيمة وأهداني إياها،،، شككت بأن عينه اليسرى لمعت قليلاً وهو يعطيني تلك الحمبصيصة مما أثار في نفسي شكوك عنيفة قضت بأن أقفز خارج المصعد هرباً قبل أن يسألني شيئاً مقابل حمبصيصته.
تحية ود،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة
----------------------------------------
الحمبصيص بلغة أهل البحرين هو أبوفروة بلغة غيرهم من العرب أو الچستنوت بلغة الملاحدة الإنجليز والمارون بلغة الفرنجة الكفرة.

الجمعة، يناير 27، 2006

خرفنة العمل السياسي


لم ألتق أبي منذ مدة فكلانا يعمل بالخارج ونادراً ما يتفق جدول أسفاري مع رحلاته،،، وآخر مرة التقيته كان متأزراً بإزار هندي مخطط يشبه إلى حد كبير دفاتر الهندسة التي كنا نستخدمها قديما، كان قد لف رأسه بـ"غترة" بيضاء، كما اليمانيين تماماً، يسحب من ورائه تيس عربي أصيل، يدفعه ويجرجره من خلفه منتهكاً كل حقوقه وممتهناً ما تبقى من كرامته... غلى الدم في عروقي وارتفع إلى أم رأسي مباشرة وأحسست وكأنها - أعني رأسي المباركة - جوزة مطبوخة، فرؤية التيس البائس مستنفراً قواه القومية وممانعاً قيادة الوالد له، لم تكن بالشيء الممكن السكوت عليه،،، أمسكت بتلابيب ذلك الأسير المنحوس وطرحته أرضاً فارتمى الوالد عنده وثبته ثلاثاً معلناً انتصاره الساحق عليه!!! بعد أن انجلت الغبرة والتقطت أنفاسي المبعثرة في كل مكان، سألته عن قصة ذلك التيس وعن سبب شرائه له، فانتفخت أوداجه فجأة وشرع يصف جمل مسجوعة وأبيات مقفاة في سب الحكومة وكل مسئولٍ فيها،،، الوالد أطال الله في عمره لم يبق كلمة نابية إلا واستعارها من قواميس السب البحرانية ليُطّعِم بها جمله تلك غير آبه بالحكومة ولا بأكبر مسئولٍ فيها، فرفع الدعم عن اللحوم وارتفاع أسعارها رفع ضغطه وأصابه بأوجاع لا تطاق في محفظته المنبعجة أصلاً وأبقاه رهينة خوف مرعب من قضاء تقاعده مقتات على الباچة والكراعين.

أعادتني غضبة الوالد تلك وتطاوله على حكومتنا الرشيدة وكل "طويل عمر" تعلمنا تقديسه، أعادتني عضبته تلك عشر سنين للوراء، أيام أحداث التسعينيات المؤسفة (على رواية عقيل سوار ضعيفة السند) أو ما يسمى بالانتفاضة حسب الرواية الشعبية، فتذكرت كيف كان يصاب بخوف عصابي مع انفجار اسطوانة غاز أو عند سماعه طلقة رصاص طائشة فلم أجد بداً من مناكدته وسؤاله عما غير أحواله وأعطاه كل تلك الجرأة في التطاول على المسئولين دون أدنى خوف من مسائلة أو عقاب وهو الذي كان ينهانا عن الحديث في السياسة فضلاً عن الانخراط في ممارستها زاعماً بأن عند الحكومة الرشيدة وسائل تنصت متقدمة تمكنهم من سماع ما يدور داخل البيوت بل ربما حتى ما يختلج داخل الصدور! فأجابني بحكمة رجل كبير بأن الحرية تعطي للحياة معنى آخر ومن يعرفها لا يخشى بعدها شيء أبدا.

القراءة المتأنية للوضع السياسي بالمملكة تشير لوجود علاقة وثيقة بين الحالة السياسية وسوق الخراف وتؤكد بأن لهم - أعني الخراف - دور رئيسي في استقرار الأوضاع الأمنية بالبلاد، ودليلنا على ذلك أن أولى مكرمات عصر الإصلاح الرامية إلى تهدئة النفوس وبناء جسور ثقة بين كل الأطراف، كانت عبارة عن باقة مختارة من الخراف الأسترالية ذات اللحوم البلاستيكية الرائعة مهداة إلى مآتم الشيعة، كما أن آخر المكرمات كانت عبارة عن تراجع الحكومة عن رفع الدعم عن لحوم الخراف حتى لا ترتفع أسعارها بواقع مائة فلس للكيلو،،، عملياً يمكن للبحرينيين اليوم أن يقولوا وبكل ثقة واطمئنان وأريحية بأن "لحم تيوسنا من خيرهم" بعد كل تلك المكرمات،،، لكن الغريب حقاً هو تغافل الحكومة عن الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه الأبقار لو أنها هي الأخرى استغلت كطرف في تلك المعادلة لتدعم دور الخراف، فأنا حاليا عاكف على كتابة مؤلف ضخم تحت عنوان "الأبقار في سياسة الأمصار" سأتبعه بملحق صغير موسوم بـ "دور البقر في إدارة البشر" وأنصح سياسيينا باقتنائه وقراءته ففيه من الفوائد الكثير.
ذلك الثغاء والخوار السياسي يبدو بأن تأثيراته طالت الاقتصاد أيضا، فطيلة الأسبوع الفائت كل ما التقيت أحدهم يصيح بي "إمبـاع؟" حتى اختلطت عليّّ الأمور ولم أعد أفرق بين بشر وبقر وبعد تقصي وبحث دام عدة أيام أخبرني أحدهم عن سوق بيع الجوازات للاكتتاب في بنك الريان القطري فبالبحرينيون وللمرة الأولى في تاريخهم على ما يبدو أحسوا بأن للجواز البحريني قيمة يمكن قبضها نقدا،،، عموماً كان جوابي دائماً كلا، فجوازي "ما إمبـــــــــاع" إن كان أحدكم راغب في شرائه!
تحية ود،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة

الاثنين، يناير 16، 2006

إجــازة

الكل ينظر إليك وعلى شفتيه ابتسامة بلهاء، كأنه يريد أن يسألك شيئا إلا أن بُعد المسافة بين السيارات حال دون مُراده،،، الجوالات اللعينة لا تكاد تصمت أبدا حتى أن شبكة الاتصالات كانت مشغولة أكثر من مرة هذا الصباح،،، السيارات القادمة من المنامة على الضفة الأخرى من الشارع أكثر بكثير من تلك المسافرة إليها،،، لوهلة ظننت أني أخطأت التوقيت أو ربما كنت قد خرجت للعمل في يوم عطلة أو أن كارثة ألمت بالمنامة فهرع الناس خارجها!

بعد أن وصلت للمنطقة الدبلوماسية، حيث أعمل، كانت خالية تماماً كمدينة أشباح غادرها الجميع، حتى الشحاذين كسدت تجارتهم ذلك اليوم، فتجرأ أحدهم ومد إليّ يده مستجديا بالرغم من أنه لم يكن ليفعل ذلك في يوم عادي، ربما مراعاة لحالتي الصحية فأنا لو تبرعت بمائة فلس لانتكست حالي وتقوس ظهري وربما أصبت بسكتة قلبية وظللت أحبو بعدها حتى آخر الشهر من شدة العجز الكارثي الذي كان سيلم بميزانيتي الكسيحة، إلا أنه وبالرغم من هذا كله كان قد مد يده المباركة صوبي وخاطبني قائلاً "اليوم بس، حلاوة الإجازة"!!!

بمجرد سماعي لكلمة "إجازة" ودون أن أستفسر أكثر، دسست كفي الطاهر في جيبي وأخرجت منها قطعتين من فئة خمس وعشرين فلساً وأعطيتها الرجل فرفعها إليه ونظر إليها بسرعة ثم عقد حاجبة وقضب جبينه حتى حسبته سيصرخ "الله أكبر" إلا أنه لم يفعل،،، نظر إلي بشزر وتقزز وبدا لي وكأنه أراد أن يقول شيئا ففررت من وجهه قبل أن يرميني بسهامه فلهذا الرجل لسان سليط ولست أحتمله ألبتة فقد سبق أن أعطيته خمس وسبعون فلساً (كانت عبارة عن ثلاث قطع من فئة خمس وعشرين فلساً)، يوم ترقيتي الأخيرة، فنظر إليها بالطريقة ذاتها ثم صفعني بها صارخاً "خلها لامك"!!!

دخلت إلى المكتب وعرفت بانتقال الشيخ جابر الصباح إلى جوار ربه فلعنت الإجازات التي أصابت البحرينيين بما يشبه النيكروفيليا المقرفة ولعنت نظام القطاع الخاص الذي حرمني من الإجازة بينما تمتع بها عمال القطاع العام ولعنت نفسي أكثر لخسارتي تلك الخمسين فلس القيمة دون مبرر!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة

الخميس، يناير 12، 2006

شيء ما يحترق



انتشرت الإطارات المحروقة على طول شارع البديع من أمام قرية السنابس ومدخل البرهامة حتى مدخل الديه، في البداية حسبت أن جماعة ما تقوم بطقوس احتفالية دينية غريبة على غرار "حرق صفر" تلك الاحتفالية الشيعية المنقرضة والتي نطالب الجهات الرسمية بإحيائها والحفاظ عليها حتى يتسنى لبعض أولئك الذين يمتلكون شهوة حرق مكبوتة من التنفيس عن أنفسهم من خلالها. إلا أن تحرياتي لم تشر إلى وجود أي احتفال ديني هذه الليلة ومن ثم لم يبق عندي إلا افتراض واحد هو أن تلك الحرائق عبارة عن مراسيم من بقايا طقس وثني لطرد الأرواح الشريرة كذلك الذي تقيمه قبيلة الوايليكي الهندية في عيد اللاشكر بأمريكا،،، ربما كنا ورثناه عن أجدادنا الدلمونيين الكفرة (حسب فتوى أطلقها أحد النواب الأفاضل في المجلس الوطني) تقضي تلك المراسيم بحرق شيء ما لطرد الأرواح الشريرة خصوصاً وأن هذا اليوم يوم كئيب قتل فيه نجل الملك في حادث مروري مروع وفُجع المسلمون بمقتل أكثر من 350 حاج بتدافع بمنى وبذلك لابد وأن تكون الأرواح الشريرة محيطة بنا من كل جانب فتبرع بعض الإخوة، مشكورين، بالقيام عنا بواجب هذا الطقس الكفائي!!!

كأحد الدول الموقعة على اتفاقية كيوتو للحد من انبعاث الغازات المتسببة في تغير المناخ، يجب على السلطات البحرينية إقناع معارضيها بحرق مواد أخرى غير إطارات السيارات لما ينبعث عنها من كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون خصوصاً في هذه الفترة، فالارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات قد يساهم في إقناع أولئك المعارضين بالعدول عن استخدام الإطارات والكيروسين واتخاذ وسيلة أخرى أقل كلفة للتعبير عن الاحتجاج كحرق البخور الهندي الرخيص مثلاً وإن كانت رائحته تسبب لي نوع من الحكة المزمنة في مناطق حساسة أكثر من تلك التي تسببها مسيلات الدموع إلا أنه أنسب بيئياً وأقل كلفة اقتصادياً من الكيروسين وإطارات السيارات،،، شيء آخر بالإمكان حرقه وهو أقل كلفة من كل ما سبق، شيء آخر أفضل من حرق الإطارات والبخور وحتماً أفضل من الشماتة في المنتديات لموت طفل فقط لأنه من العائلة الحاكمة، شيء لا يكلفنا شيء حرقه والتخلص منه للأبد،،، ربما نحن بحاجة لحرق سواد قلوبنا والدوس على كل جراحاتنا وتعزية أهله بمصابهم.

لكم الوِد،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة

القُرعة



قرار الفعاليات العلمائية الشيعية الأخير باللجوء للقرعة لتحديد مواعيد مشتركة بينهم للاحتفالات الدينية بعد سنوات من الخلافات والانقسامات داخل الجسم الشيعي البحراني حول مواقيت الأهلة،،، قرارهم هذا أثار موجة من الاستياء إذ أن تلك القرعة، المزمع العمل بها ابتداءاً من العام الجاري، لتحديد موعد مشترك لاحتفالات عشرة المحرم ووفيات أئمة الشيعة ومواليدهم، يستثنى منها أهلّة رمضان والعيدين! شخصيا أجد ذلك قراراً حصيفا ينم عن قرآءة واعية للمستقبل ومحاكات للتطورات على الساحة الدولية، فالقرعة، حتماً، لن تبق على ما هي عليه اليوم ولا بد أنها ستمر بمراحل تطور عدة لا يستبعد أن تتمخض في نهايتها عن قرار بالعمل بنظام المجموعات المعمول به في المنافسات الدولية!!!

العمل بنظام المجموعات سيفضي إلى تقسيم البحرين إلى مناطق جغرافية تدخل في قرعة لتحديد مجوعات تتنافس فيما بينها لتحديد مواعيد الأهلة بروح رياضية بعيداً عن المهاترات والصراعات إلا أن المناطق التي ستوقعها القرعة في مجموعات صعبة ستعاني الأمرين حتى تتمكن من بلوغ الدور الثاني،،، فمنطقة كالمرخ مثلاً إذا تورطت بمجموعة حديدية بها كل من باربار والدراز فأين لها الفرار وأنى لها من قرار وهنيئاً لتلك المناطق التي ستضعها القرعة مع جدحفص والمنامة فأعيادهم ستكون سابقة للآخرين بيوم على الأقل!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة

الاثنين، يناير 09، 2006

الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود

أصيب أحد الأصدقاء بما يشبه الحول الجنسي بعد سماعه تصريحات د.نبيل الأنصاري، مدير قسم الطوارئ بمجمع السلمانية الطبي، حول عدد الأخطاء القاتلة التي اقترفها الأطباء في القسم المذكور وتورط العديد منهم بقضايا أخلاقية خلال ساعات العمل. صديقي هذا كان قد اشتكى قبل أشهر عدة من التهاب حاد في الحنجرة وبعد زيارة قصيرة للمستشفى المذكور خرج منه مصاباً بالبواسير! ومنذ شياع تلك الأخبار المزعجة والناس تطارد الرجل بنظراتها وتشكك في أسباب إصابته تلك...


لو أن صاحبنا ذاك كان كذكر حصان البحر يحمل ويلد لربما توصلنا لحقيقة ما حدث له إلا أن ذلك لم يعد مهماً الآن فقد ألصقت التهمة به وانتهى،،، تفاعلات الحدث لم تنته عند صديقي هذا بل أن هناك أخبار شبه مؤكدة تشير إلى أن العشرات من الشواذ أخذوا بالتوافد على المستشفى مدعين الإصابة بالتهابات حادة في الحنجرة على أمل الخروج منه، كصاحبنا، مصابين بالتهابات في مناطق أخرى!!!


شخصياً لا أنصحكم بزيارة المستشفى المذكور في أيام الصيف، خصوصاً إذا كانت الحالة تستدعي تخدير عام، أو حتى موضعي، فالأمور لازالت غائمة والأوضاع غير مستقرة وربما خرجتم منه بما لا تحبون ... فالحذر الحذر فالداخل في هذا المستشفى مفقود والخارج منه مولود!!!


تحياتي،

حسن الخزاعي

المنامة المحروسة

الأربعاء، يناير 04، 2006

هافات الصحافة

أستغرب حقا من تعظيم العرب للغتهم حد تقديسها وتفضيلها على باقي اللغات وهي لغة قديمة جدا ومحدودة في ألفاظها حد تقييد الكاتب وإجباره على تطعيم مقالاته بكلمات من لغات أجنبية أو أخرى مستخدمة في اللهجات الدارجة لإيصال فكرة ما لقرائه. قبل كتابة هذا المقال عانيت برحا بارحا لأجد كلمة عربية مرادفة لـ "هاف" الدراجة ذات الأصل الإنجليزي إلا أنني عجزت، فأقرب مرادف لها كان "سروال قصير" إلا أنني لم أجد ذلك معبرا عن ما أريد، خصوصاً وأن الذي كنت أقصده هو السروال الرجالي ذي الفتحة الأمامية تحديداً والمسمى، بالدارجة أيضا، "هندرويل" المحرفة عن "أندروير" الإنجليزية!
حاشى للسماء أن يكون ذلك من قبيل الترف أوقتل الوقت فحسب، وإنما كان لحاجة ملحة كنت قد اضطررت لها بعد أن التقيت في الصالة الرياضية لفندق الخليج بصحفي وكاتب عمود يومي بإحدى الصحف المحلية،،، شكله بدا مختلفاً عما كنت أتخيل، فصورته الباسمة على الصفحة الأخيرة تعطي إيحاءاً آخر لشكله الحقيقي فالرجل الذي بدا لي سميناً في الصورة، لم يكن في حقيقته سوى كهل نحيف لدرجة أن ساقه أسمن من فخذه ويكاد أن لا تكون له مؤخرة بتاتاً حيث أن ظهره تنزل بانسيابية عجيبة لتنتهي بفخذ نحيف ثم تليه تشكيلة فريدة من الكراعين تجمعت صوب بعضها البعض كخطوط غريبة على لوحة سريالية كئيبة، هكذا في سمت رهيب ومن دون أدنى أمْتٍ للمؤخرة! مقدمته كانت على خلاف مؤخرته، فبالرغم من ضيق كتفيه ونحافة صدره إلا أن بطنه تشهد ارتفاعاً مفاجئاً عند نهايتها لتكشف عن كرش مدببة للأسفل تشبه كثيراً بطن امرأة حامل في شهرها الرابع!

إن كان بالإمكان نحت تمثال له بالكلمات في مخيلة القارئ فمن الاستحالة بمكان أن تصف الكلمات تلك البيئة الفريدة المحيطة به،،، الصحفي المعتد بنفسه بشكل جلي، دخل النادي الرياضي وأدى بعض الحركات على جهاز المشي فيما لا يتجاوز الثلاث دقائق فقط، ثم نزل من على الجهاز ووقف بشكل مستعرض أمام المرآة ينظر إلى كرشه بتمعن إن كان قد تغير شكله بعد ذلك الجهد الجبار،،، لا يلبث أن يبدأ في خلع ملابسه القطعة تلو الأخرى،،، وكراقصة تعرٍ هرمة في مشهد إيروسي مقرف، بدأ بنزع قميصه ثم التفت للمرآة مرة أخرى يتفقد أحوال كرشه،،، رسم على شفتيه ابتسامة رضى،،، ثم تابع إكمال المشهد بنزع سرواله الرياضي القصير!!! تجلى الرجل الخمسيني أمامي بسروال داخلي قصير أبيض ذي فتحة تهوية أمامية دون مراعاتٍ لشعوري المرهف بل دونما أدنى اكتراث للنظرات الناس المحدقة بـ"هافه"!

بنظرة كربونية تحليلية خاصة لا أستخدمها إلا في حالات الضرورة القصوى، توصلت إلى أن عمر ذلك الـ "هاف" لا بد وأن يكون قد تجاوز العشرين عاماً بقليل هذا إن لم يكن قد تعرض لعوامل تعرية شديدة أعطته تلك الهيئة العتيقة،،، فحال شريطه المطاطي (اللآستيك) المهتريء حول الفخذين وتهدله عند المؤخرة وكأن شيء ما بداخله يجذبه نحو الأسفل أو ربما كان ذلك بفعل خواء المؤخرة ذاتها (حقيقة لست أدري)،،، كل تلك كانت أمور تشي بحال "هافٍ" قد أكل الدهر عليه وشرب بل من المؤكد أنه كان قد فعل أموراً أخرى أكثر من تلك بكثير! في مؤخرته، وعلى الجوانب أيضا، اصفرار كبريتي غريب تساءلت طويلاً عما قد يكون تسبب به، لكن بعد برهة تأمل وتفكير عميقة وجدت بأنها لا بد وأن تكون رياح صفراء شديدة كانت قد ضربته وأحدثت به تلك الآثار البارزة...

شخص كسول مثلي ما كان ليستخدم أيٍ من تلك الأجهزة الرياضية المتوفرة بالنادي وانما يكتفي دائما بأن يرمي بجسده المرهق في حوض الجاكوزي اللعين ذي حركات الدغدغة المائية التي دائماً ما تتسبب في فشل محاولاتي اليائسة لكبح الابتسامات وتوقعني في إحراجات مع مرتادي النادي،،، صوت صفير مرعب علا فجأة لينذرني عن خطر قادم،،، تجمدت في مكاني لا أدري ما الأمر،،، ألقى الصحفي شبه العاري نظرات تساءل صوب "هافه" ثم تلاها بنظرات أخرى مترددة نحو الجاكوزي،،، مسيقى خطر من فلم مصري قديم تتسارع،،، دقات قلبي تتسارع هي الأخرى،،، يخطو خطواته الأولى متجهاً نحوي،،، تتسارع المسيقى وفي الخلفية صوت كورال مصري يغني "يختي عليها يختي عليها ... جت رجليها ما جت رجليها"،،، ما إن اقترب من الحوض حتى نهضت هاربا منه خوفاً من أن تصيبني عدوى الحمى الصفراء من "هافه"... خرجت من النادي وقرأت كل ما أعرفه من تعاويذ وأدعية بل وهممت أن أكتب بعض الأحجبة والطلاسم، كل ذلك خوفاً من الإصابة بعدوى ما ،،، بعد أن هدأ روعي طرأ ببالي تساؤل آخر عن ما قد تكون عليه رائحة ذلك الـ "هاف" الغامض،،، قضيت جُل الليل أتخيلها إلا أن حيرتي لم تدم طويلاً فقد شممتها في اليوم التالي من خلال عموده بالجريدة!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة