Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الأربعاء، يناير 04، 2006

هافات الصحافة

أستغرب حقا من تعظيم العرب للغتهم حد تقديسها وتفضيلها على باقي اللغات وهي لغة قديمة جدا ومحدودة في ألفاظها حد تقييد الكاتب وإجباره على تطعيم مقالاته بكلمات من لغات أجنبية أو أخرى مستخدمة في اللهجات الدارجة لإيصال فكرة ما لقرائه. قبل كتابة هذا المقال عانيت برحا بارحا لأجد كلمة عربية مرادفة لـ "هاف" الدراجة ذات الأصل الإنجليزي إلا أنني عجزت، فأقرب مرادف لها كان "سروال قصير" إلا أنني لم أجد ذلك معبرا عن ما أريد، خصوصاً وأن الذي كنت أقصده هو السروال الرجالي ذي الفتحة الأمامية تحديداً والمسمى، بالدارجة أيضا، "هندرويل" المحرفة عن "أندروير" الإنجليزية!
حاشى للسماء أن يكون ذلك من قبيل الترف أوقتل الوقت فحسب، وإنما كان لحاجة ملحة كنت قد اضطررت لها بعد أن التقيت في الصالة الرياضية لفندق الخليج بصحفي وكاتب عمود يومي بإحدى الصحف المحلية،،، شكله بدا مختلفاً عما كنت أتخيل، فصورته الباسمة على الصفحة الأخيرة تعطي إيحاءاً آخر لشكله الحقيقي فالرجل الذي بدا لي سميناً في الصورة، لم يكن في حقيقته سوى كهل نحيف لدرجة أن ساقه أسمن من فخذه ويكاد أن لا تكون له مؤخرة بتاتاً حيث أن ظهره تنزل بانسيابية عجيبة لتنتهي بفخذ نحيف ثم تليه تشكيلة فريدة من الكراعين تجمعت صوب بعضها البعض كخطوط غريبة على لوحة سريالية كئيبة، هكذا في سمت رهيب ومن دون أدنى أمْتٍ للمؤخرة! مقدمته كانت على خلاف مؤخرته، فبالرغم من ضيق كتفيه ونحافة صدره إلا أن بطنه تشهد ارتفاعاً مفاجئاً عند نهايتها لتكشف عن كرش مدببة للأسفل تشبه كثيراً بطن امرأة حامل في شهرها الرابع!

إن كان بالإمكان نحت تمثال له بالكلمات في مخيلة القارئ فمن الاستحالة بمكان أن تصف الكلمات تلك البيئة الفريدة المحيطة به،،، الصحفي المعتد بنفسه بشكل جلي، دخل النادي الرياضي وأدى بعض الحركات على جهاز المشي فيما لا يتجاوز الثلاث دقائق فقط، ثم نزل من على الجهاز ووقف بشكل مستعرض أمام المرآة ينظر إلى كرشه بتمعن إن كان قد تغير شكله بعد ذلك الجهد الجبار،،، لا يلبث أن يبدأ في خلع ملابسه القطعة تلو الأخرى،،، وكراقصة تعرٍ هرمة في مشهد إيروسي مقرف، بدأ بنزع قميصه ثم التفت للمرآة مرة أخرى يتفقد أحوال كرشه،،، رسم على شفتيه ابتسامة رضى،،، ثم تابع إكمال المشهد بنزع سرواله الرياضي القصير!!! تجلى الرجل الخمسيني أمامي بسروال داخلي قصير أبيض ذي فتحة تهوية أمامية دون مراعاتٍ لشعوري المرهف بل دونما أدنى اكتراث للنظرات الناس المحدقة بـ"هافه"!

بنظرة كربونية تحليلية خاصة لا أستخدمها إلا في حالات الضرورة القصوى، توصلت إلى أن عمر ذلك الـ "هاف" لا بد وأن يكون قد تجاوز العشرين عاماً بقليل هذا إن لم يكن قد تعرض لعوامل تعرية شديدة أعطته تلك الهيئة العتيقة،،، فحال شريطه المطاطي (اللآستيك) المهتريء حول الفخذين وتهدله عند المؤخرة وكأن شيء ما بداخله يجذبه نحو الأسفل أو ربما كان ذلك بفعل خواء المؤخرة ذاتها (حقيقة لست أدري)،،، كل تلك كانت أمور تشي بحال "هافٍ" قد أكل الدهر عليه وشرب بل من المؤكد أنه كان قد فعل أموراً أخرى أكثر من تلك بكثير! في مؤخرته، وعلى الجوانب أيضا، اصفرار كبريتي غريب تساءلت طويلاً عما قد يكون تسبب به، لكن بعد برهة تأمل وتفكير عميقة وجدت بأنها لا بد وأن تكون رياح صفراء شديدة كانت قد ضربته وأحدثت به تلك الآثار البارزة...

شخص كسول مثلي ما كان ليستخدم أيٍ من تلك الأجهزة الرياضية المتوفرة بالنادي وانما يكتفي دائما بأن يرمي بجسده المرهق في حوض الجاكوزي اللعين ذي حركات الدغدغة المائية التي دائماً ما تتسبب في فشل محاولاتي اليائسة لكبح الابتسامات وتوقعني في إحراجات مع مرتادي النادي،،، صوت صفير مرعب علا فجأة لينذرني عن خطر قادم،،، تجمدت في مكاني لا أدري ما الأمر،،، ألقى الصحفي شبه العاري نظرات تساءل صوب "هافه" ثم تلاها بنظرات أخرى مترددة نحو الجاكوزي،،، مسيقى خطر من فلم مصري قديم تتسارع،،، دقات قلبي تتسارع هي الأخرى،،، يخطو خطواته الأولى متجهاً نحوي،،، تتسارع المسيقى وفي الخلفية صوت كورال مصري يغني "يختي عليها يختي عليها ... جت رجليها ما جت رجليها"،،، ما إن اقترب من الحوض حتى نهضت هاربا منه خوفاً من أن تصيبني عدوى الحمى الصفراء من "هافه"... خرجت من النادي وقرأت كل ما أعرفه من تعاويذ وأدعية بل وهممت أن أكتب بعض الأحجبة والطلاسم، كل ذلك خوفاً من الإصابة بعدوى ما ،،، بعد أن هدأ روعي طرأ ببالي تساؤل آخر عن ما قد تكون عليه رائحة ذلك الـ "هاف" الغامض،،، قضيت جُل الليل أتخيلها إلا أن حيرتي لم تدم طويلاً فقد شممتها في اليوم التالي من خلال عموده بالجريدة!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة