Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الثلاثاء، سبتمبر 27، 2005

مواعين السيدة - 4



الحي الفقير بدا كسيحاً مشلول الأطراف ولا حركة فيه ألبتة، فأخبار ثورة الـ "ياو ياو" كانت قد سبقتها إليه،،، السماء مكفهرة بغيوم سوداء قاتمة وثقيلة،،، رياح ذات صفير مرعب تتلاعب بقصاصات الورق المتناثرة هنا وهناك،،، صمت رهيب تتخلله أصوات رضّع تبكي ثم لا تلبث أن تخمد بشكل مفاجئ،،، "رأس رمان" ذلك الحي الصغير المكتظ بأكوام البشر المحشورين فيه كتمر مكتَنز في كيس صغير، ذلك الحي بدا خال من سكانه تماماً،،، هجرته حتى قططه وفئرانه،،، هجره صوته، هجرته روحه،،، هجره كل شيء‍!


تقدمت، ككيس خيش برجلين ويدين، بخطوات بطيئة ولكنها واثقة إلى داخل الحي،،، الصمت لا يزال المتحدث الأوحد وعيون خائفة تسترق النظرات من فتحات الشبابيك،،، أصوات أكف تُصَفق فوق الوجوه وهمهمات بلهجة "رأسرمانية" ترتجف:


- إدخل يالنغل لا تغربلنه


البعض أقام متاريس من أكياس الرمل أمام داره وتحصن داخلها فيما آخرين فروا إلى المنامة والأحياء المجاورة،،، توقفت أمام دكانة "محمد البوسطة"،،، مدت شفتيها الغليظتين كماسورة مجاري نتنة وشفطت كل الخضروات والفواكه،،، "شمسي"، زوجته الإيرانية، صرخت به تستغيث إلا أنه لم يغثها،،، بل ردها عن الصراخ فالوضع لا يحتمل!


ثلاث ليال طويلة و"رأس رمان" مشلولة تماماً والناس أسرى بيوتهم والسيدة تعيث في الحي فساداً،،، لم تبق دكانة إلا والتهمت ما بها بل حتى عربة "الأغتم" الخشبية وتلك الأخرى التابعة لبيت "العم" لم تسلما منها،،، الكل يصلي ويبتهل، الرجال والنساء والأطفال وحتى الزنادقة والخمارين والنسونجية والمجانين يصلون ويبتهلون،،،صلاة الليل غدت فرض واجب كباقي الخمسة الآخرين!!!


رفع بعض الرجال والنساء من بيت "الوادي" المصاحف فوق رؤسهم وخرجوا للشارع بعد أن يئسوا من الفرج،،، تبعهم، في ذلك، آخرون من بيت "أوال" ثم "القلاليف" و"الجد" و"البوسطة" و"بو يلول" و"العرادي"،،، الكل يتجه إلى حيث السيدة في الساحة المقابلة لدكانة "الدرازي".


تحولقوا حولها جثات على ركبهم،،، ظنت بأنهم يبيتون لها شراً وأنهم إنما جاءوا كما جاء "الذواودة"،،، قضبت الجبين وعقدت الحواجب،،، رفعت يديها ثم لفت حولها نفسها اللفة المشهورة، ناظرة في أعينهم بغضب،،، أغمضت عينيها وعصرت نفسها،،، ثم صرخت "ياو ياو"


يتبع >>>


لكم الود،

حسن الخزاعي

روتردام المحروسة