السلفية والانشداد الآستيكي للماضي
من المخجل حقاً أن لا يجد القلم ما يستثير فيه شهوة للكتابة فيغدو رخواً ليناً لا يقو على الوقوف لمناهضة باطل أو نصرة حق! بل إن الخوف ليطغى على الخجل إذا ما ساورنا شك بأن يراعنا، الذي كان يوماً منتفخ الأوداج نابض العروق، لربما كان قد فقد ما تمتع به من شبق لمواقعة الورق. ولكن، أي شيء هذا الذي يستثير فيه شهوة، من أي نوع، في ظل واقع مأزوم بقرف الاستقطابات الطائفية وتفشي الحركات الإرهابية وتشظي الحركات السياسية وإسهال المسيرات وحمى التسقيط وإرهاب الفكر والكلمة؟!
عفواً فلست في وارد ضحك أو إضحاك، فدنياكم هذه غدت مملة مقرفة لا تساوي عندي عفطة دجاجة مصابة بإسهال قهري أو سلس لا إرادي والتهابات بكتيرية حادة بين الفخذين!
بالأمس وبعد انقطاع دام أسابيع عدة عن التعاطي مع الشأن المحلي أطللت إطلالة سريعة على الحالة العامة للبلاد والعباد فوجدت السلفيين أكثر السياسيين بعثاً للأمل، فهؤلاء ببشوتهم السوداء وأكراشهم المنتفخة ولحاهم الطويلة وثيابهم القصيرة أقدر على رسم الابتسامة على شفتي من أصحاب الشوارب الغليظة واللحلى الحليقة بل حتى ومن أصحاب الخدود الناعمة والقدود المياسة. هؤلاء المتدينون لا يرون فيّ أكثر من واحد من أولئك النفر الغير قليلين الذين سيشوي الله خصيهم في نار جهنم حتى تفرقع كـما "الحمبصيص" وأنا لا أرى فيهم أكثر من فقاعات تطير عاليا وتنفجر ليطير غيرها وينفجر وهكذا دواليك، في عملية انتفاخ وتفجر مستمرة ما استمر هؤلاء! ثم إنك، عفا الله عنك، كيف لك أن تأمل خيراً في كائن محدب لا تعرف ظهره من كرشه ولا رأسه من أسته (بل لا أظنه هو نفسه يدرك الفرق بين شعر العانة ولحيته الملآنة)؟! كيف لك أن ترهن مستقبلك لكائنات تطير عالياً حتى إذا وصلت السقف سقطت على ظهرها وظلت منافحة دون ذلك حتى تهلك؟! وهذه الظاهرة الأخيرة تذكرني بحشرة سوداء مملة مقرفة، فاجرة عاهرة تمارس مجونها علنا دون خجل أو حياء ولا أظنها إلا عميلة لجهة مخابراتية أجنبية أو مدعومة من لوبيات طائفية أو على أقل التقادير استلمت يوما ما كوبانات نفط صدامية، اندست في غرفتي منذ مدة ولا هم لها إلا مباغتتي بهجمات جبانة كلما رأتني نائماً متجاهلة من أكون وضاربة بمقامي الفكري والديني عرض الحائط.
أما على الصعيد الدولي فيبقى السلفيون، بشقيهم التكفيري والتبريري، أكثر أمم الأرض سخافة وإثارة للقرف والبكاء والضحك في آن واحد، فأبكي دماً لأفعال التكفيرين الإجرامية في العراق والسعودية وغيرهما وأعود لأنتهي ضاحكا من تهافت تبريراتهم وسذاجتها... أمة رمت بعقلها في مزابل التاريخ وخرجت على الناس برؤوس خاوية خالية من أي شيء عدا بعض فتاوى متخلفة لابن تيمية وشلة العوران السائرين على خطاه المتطرفة،،، قلوب لا يملؤها إلا الحقد وكراهية الآخر والسعي لتطهير الأرض منه،،، نفوس بغيظة يحركها شبق مكبوت وكراهية ظاهرة!!!
كل شيء في هؤلاء يشدهم شد الحبال المطاطية للماضي (آستيك بلغة البحارنة المرتدين والمأخوذة من لغة الصليبيين الكفرة) فلا يستطيعون الخروج منه ولا النظر للمستقبل كباقي خلق السماء، ابتداءاً من أسمائهم الغريبة (أبو مصعب، أبو حمزة، أبو قتادة وأبو جرادة وأبو گرادة وغيرهم) مرورا بملابسهم الشاذة والتي تشبه إلى حد ما تنانير "الكيلت" الأسكوتلاندية، وطبعا لا يفوتنا الإشارة إلى أن لهذه الملابس السلفية خاصية تناسب عكسية مع طول اللحية، فإذا قصرت الثوب تطول اللحية وكلما اشتد إيمان أحدهم بتلك الخرافات زاد طول لحيته وبالتالي قصر، وبالمقدار ذاته، طول ثوبه!!! (نظرية "التناسب العكسي السلفية" هذه، لم يتوصل لها حتى نيوتن في زماناته غير أن الكل يعلم بأن كل ما في هؤلاء متناسب تناسبا عكسيا مع الحياة ذاتها)
انشدادهم الغريب نحو تاريخ المسلمين الأسود (أو لعلي أصفه بالأحمر لكثرة ما أراقه هؤلاء السفاحين من دماء بريئة في كل أرض دنستها أقدامهم)، انشدادهم الغريب نحو تلك الأزمنة الغابرة جعلهم يصدرون الأحكام حتى على أهلها الذين ذابت عظامهم ولم يتبق منها شيئا،،، فيخرج عليك أحد النواب الأفاضل بتكفير الدلمونيين (ثم لا يستحي أن يزعم بأنه ليس من التكفيرين) ويدعو إلى هدم قبورهم وتشييد مبان سكنية فوقها!!! بالله عليك لو حكم هؤلاء الجهلة بلد كمصر فمالذي سيفعلونه بآثارها خصوصا والفراعنة كفرة ملحدين على حد زعم هؤلاء؟! أحسب أن نائبنا السلفي، الذي أفتى بكفر الدلمونيين، ستتفتق عبقريته عن مشاريع بناء ناطحات سحاب فوق الإهرامات لإسكان فقراء المسلمين أو لربما يحول الكرنك لمدينة سكنية فيما وادي الملوك يبنى فوقه مصلى للعيد وآخر للتراويح على وادي الملكات!
السعودية ربما بها من الآثر أكثر من أي قطر عربي آخر، فمن مدائن صالح إلى خيبر (التي لا تزال بحالة ممتازة) وليس انتهاءاً بعشرات القلاع المنتثرة على الخارطة السعودية، إلا أننا لا نسمع شيء عنها وأحسب السعوديين أنفسهم لا يعرفون شيئا عن تلك الآثار الإنسانية القيمة ولم يزوروها يوماً في حياتهم ولا أحسبهم سيفعلون،،، كل هذا لأن شيخ سلفي ضرير أو بنصف عين كغالبيتهم أفتى بأن أهل تلك الأمم كفرة وليس للمسلم أن يسافر بقصد مشاهدة تلك الأحجار!
أظنني سأكتب أكثر مما يستطيع القارئ قراءته لو أني استرسلت في الحديث عن هذا الفكر المتخلف لذا سأكتفي بهذا القدر.
تحياتي،
حسن الخزاعي
<< Home