قانون الجمعيات
بالرغم من أني نشأت في بيت ديني ميوله الفكرية ولائية بحتة ثم مالبثت أن فسقت وتزندقت، بفضل السماء، وخرجت على إجماع العائلة الكريمة لأدين بدين إخواننا السيخ وبعضٌ من الهندوسية وشيء ليس بقليل من المجوسية والمانية، إلا أني لا أستطيع إنكار تأثير هالته المقدسة عليّ كلما مر بجانبي بالرغم من كونه شيرازي بامتياز!
لم أكن أعرف عنه أو عن تخصصه شيئا إلا أنه كان موسوعة بكل ما للكلمة من معنى، فقد كان خبيرا بالطب والفلك والفلسفة والمنطق كما كان ضليعا في التاريخ والسياسة وعلوم الاجتماع والتخطيط ولا يشق له غبار في التربية الأسرية والاقتصاد،،، لذا ظننته رجل دين، فرجل الدين هو الوحيد الذي يجمع بين كل هذه العلوم وزيادة وهو الوحيد القادر على إفتائك في كل شيء من دون أن يرف له طرف فهو الذي عنده علم الكتاب وإن لم ينتج شيء مفيد في حياته!!!
جلس، كعادته كل ظهيرة، عند عتبة باب المنزل وقد لف ذيله الحريري الأبيض حول مؤخرته المباركة وبسط ذراعيه بالوصيد متأمل في الكون الواسع وكأنه في يمارس نوع من أنواع اليوغا، مررت به فسلمت عليه فمد يده الشريفة لي لأقبلها، حتى قبل أن يرد عليّ سلامي، في تحد واضح لقرار الملك عبدالله الأخير بمنع تقبيل اليد فرميت بنفسي تحت قدميه وانسدحت وانبطحت أرضا وأخذت ألثمها تقديراً لعلمه الجم ووقاره وهيبته ولأني مشترك معه في رفض ذلك القانون الجائر الذي ينتهك حق الإنسان العربي في ممارسة مذلته بلذة ماسوخية مثيرة... قلت له وأنا أجر يده المقدسة نحوي لأقبلها:
- جيب خلنا نبوس،،، ترا حتى البوس يبغون يمنعونه هالأيام مولانا!!!
فرد سماحته بوقار:
- بوس يا ولدي بوس فلم يثبت عندنا حرمة البوس بعد!!
اغتظت من رد سماحته إلا أن هيبته منعتني من التصريح بما جال في خاطري لحظتها، فقد فكرت لوهلة أن هو وأمثاله من رجال دين متطرفين السبب الرئيسي وراء ما يحدث، فلولا تحريمهم للبوس لما اضطر الإنسان العربي لتقديس كل شيء حوله حتى يتمكن من تقبيله (المشكلة أنهم قدسوا كل شيء ونسوا النساء)!!!
حدثتني نفسي بأن اغتنم الفرصة وأسأله عن قانون الجمعيات وبلاء المشاركة ووبال المقاطعة وما إلى ذلك من أمور محيرة تقلق الساحة البحرانية في هذه الآونة، فسماحته كما أسلفنا خبير في كل فن ولا بد أن لديه ما يفيد:
- مولانا وش رايكم في قانون الجمعيات،،، نشارك لو ويش؟!
مسح على شاربه الشريف بيده المباركة وحرك ذيله حركتين وقال:
- ميـــاو ... ميـــاو يا ولدي ميـــاو، وإن كان لا بد منه فـ "نو نو"
- ما فهمت مولانا، وضّح!!
- أووه راح عن بالي يا ولدي إنه انته من العوام ولا تفقه لغة أهل الفن!! (عدال على روحك، اللي يسمعك يقول أنا أكلم راغب علامة مو قطو مصفع)
- يعني لو تتكرم مولانا وتكلمني بلغة أهل العوام لنستفيد من علمكم
تنحنح واعتدل وحرك جناحي أنفه الصغير ثلاث حركات سريعة، حتى أني ظننته سيطير، وأجاب:
- إيييه ذكرتني بالذي مضى... الجمعيات ياولدي زينة خصوصا إذا إنته اللي بتستلم أول واحد!
تحياتي،
حسن الخزاعي
<< Home