Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الاثنين، سبتمبر 12، 2005

سياسة الأبواب المفتوحة



هذا الانفتاح السياسي المقرف يكاد يصيبني بحالة تقيء مستمرة،،، حرية التعبير الملعونة، الشفافية البغيظة وسياسة الأبواب المفتوحة أمور غاية في الوقاحة وتعد فاضح على حريات الآخرين يجب إيقافها جميعا... لا،،، أنا لا أمزح بل أنا جاد في ذلك تماما ولو أن أحدكم تعرض لما تعرضت إليه من انتهاك لأبسط حقوق الإنسان، بل وحتى الحيوان، بسبب سياسة الأبواب المفتوحة لطالب بإلغاء كل تلك السياسات المعتوهة حالا!!!

مساء الجمعة الفائتة رسمت على شفتي ابتسامة مصطنعة وقفزت للقطار في طريق العودة للمنزل بعد يوم عمل طويل، وبالرغم من أنها العطلة الأسبوعية إلا أنني لم أكن سعيدا باستقبالها أبدا، فتلك العطلة الملعونة تعني شيئا واحدا بالنسبة لزوجتي ... "تسوق"،،، تباً لهذا التسوق الملعون وتباً لكل الأسواق ومن ابتدعها، فعلاوة على الآلام المبرحة التي تصيب قدمنا الشريف جراء الطواف سبعا بكل دكان في تلك السوق الواسعة، وقرف الانتظار أمام غرف التبديل وألم محاولات غض الطرف البائسة عن أكوام اللحم الأبيض الشهي المتكدسة في ذلك المحل الضيق، وإصابات الرسغ والكاحل وأوجاع الظهر وانحناء العمود الفقري من ثقل تلك الأكياس اللعينة،،، علاوة على كل ذلك أرجع للبيت ومحفظتي المسكينة منكوبة مصابة بسوء تغذية أو مجاعة وقد فقدت جُل وزنها فغدت نحيفة نحيلة متقوسة الظهر كصاحبها تماما...

وأنا في الكرسي أفكر فيما يمكن عمله لفرض عقوبات اقتصادية على حرمنا المصون أو افتعال خلاف لرفع الدعم وقطع المساعدات بل وربما قطع العلاقات تماما لمدة يومين حتى تنقضي تلك العطلة المكلفة، وأنا كذلك فإذا بعجوز متهالك كان بالكاد يحرك رجليه، حتى أنني حسبته يمشي على بطنه لوهلة، جاء ليجلس في الكرسي المقابل لي.

نظر إليّ وابتسم فحركت رأسي حركة عمودية واحدة وابتسمت له رداً على تحيته،،، كح كحتين واعتدل في جلسته ومد يده الشريفة لجيب معطفه ليخرج إصبع موز ناضج،،، نظر لإصبع الموز نظرة غريبة وهو يمسح عليه بكفه ثم استدار نحوي فرمقني بطرف عينه نظرة وقحة وهو يبتسم ابتسامة صفراء شريرة،،، نظر مرة أخرى لإصبع الموز ثم أخرى باتجاهي فتعالت منه ضحكة كريهة فانقبض قلبي وشعرت بخوف فتكومت على نفسي كعذراء بريئة،،، مد اللعين إصبع الموز باتجاهي

- ألشوبليفت (تفضل)
- دانك يو ويل (شكرا)

أغمضت عيني فغفوت غفوة شاهدت فيها ذلك العجوز القبيح يطاردني في حقول قصب سكر مترامية الأطراف،،، لم أكن مرتديا ملابسي المعتادة عندها بل ساري هندي طويل، أحمر ومطرز في جوانبه بخيوط ذهبية جميلة،،، مسيقى مطاردات مرعبة وطبول تقرع بقوة بينما أنا أركض وأركض وأركض هرباً من ذلك العجوز الشبق،،، أتعثر في الساري الطويل ثم أنهض لأركض مرة أخرى،،، أتلفت ورائي بين الحين والآخر لأتأكد من أنه ابتعد،،، لا أجده هناك،،، أشعر بارتياح لخلاصي منه إلا أنني لا أتوقف عن الركض،،، ضوء في نهاية الحقل،،، وقع المسيقى يتسارع وتزداد وتيرة الضرب على الطبول،،، أكاد أصل لنهاية الحقل،،، لا لا لا،،، إنه هناك بانتظاري... "چوردو بيا چوردو"... "سيبني يا ابن الكلب، هو انته فاكرني إيه؟!"

أفقت مفزوعا لأجده ينظر إليّ والابتسامة لا تفارق شفتيه المقرفتين اللتين بدأ يمطهما باتجاهي وهو يمضغ تلك الموزة بطريقة مثيرة للتقزز،،، كان أشبه بضب يتثاءب.. اللعين لم يكن في فمه ولا حتى ضرس واحد! عندما انتهى من التهام إصبع الموز، الذي ليته غص به وفطس، بدأ بخلع معطفه فحدثت الكارثة،، إذ أن جسم هذا الفسّاء النتن لم يعرف الماء قط...

ما إن انتهى من نزع معطفه حتى ثارت غبرة صفراء، أعقبها صمت رهيب ثم انتشرت رائحة تشبه رائحة روث الدجاج مختلطة برائحة جبنة عتيقة،،، السيدة في الكرسي المجاور دخلت في غيبوبة مباشرةً بينما في آخر المقصورة امرأة مصرية بدينة، في خريف عمرها، وصلها شيء من تلك الرائحة فاهتزت اهتزازات شيطانية ثم لفت حول نفسها ثلاثاً وصرخت  "لا دايم إلا الدايم ... ولا دايم غير الله"،،، بعض الركاب حاول الفرار من نوافذ القطار الضيقة فيما آخرين صرعا على أرضية القطار،،، لم يعد في القطار كائنات تمشي على اثنتين ألبتة، فمن نجى من تلك الحادثة حتما سيقضي بقية عمره زاحف على بطنه!!!

كلا لم تنته المأساة بعد ولم يسدل الستار على فصولها المرعبة، فبعد انتشار سموم رائحته المميتة في دائرة قطرها عشرة أمتار أو أكثر قضى كل من كان بداخلها، خرج السفاح من المقصورة للحمام المجاور إلا أنه وعملا بسياسة الأبواب المفتوحة لم يغلق الباب خلفه بل تركه مفتوحا على مصراعيه ليصرع باقي الركاب... تعالت جلبة وصخب من صوب الحمام،،، الشمس قد غابت فجأة فيما خيم ظلام دامس،،، المرأة المصرية تصرخ "مين طفا النور؟!"،،، الركاب بين متعلق بالنافذة وبين "مسدوح" على الأرض فيما أنا ملتصق بالحائط كوزغة مصابة بتنمل في الأقدام... الرائحة تزداد،،، النور يتلاشى،،، الموت يقترب،،، أنفاسي تتقطع،،، الجاذبية تزداد قوة،،، رأسي أثقل من كرة حديدية،،، أكاد أقع صريعا ... اختتم المشهد وخيم صمت رهيب،،، أظن الستار قد أسدل!!!

أفقت بعد ساعات طويلة على كرسي صغير في زاوية المنزل،،، لست أدري كيف وصلت هنا،،، زوجتي تصيح "يالله قوم خلنا نروح السوق"!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة