شمران وأعمدة الحكمة السبعة
ربما لم يحن الوقت بعد إلا أني لا أمتلك القدرة على كتم هذا السر أكثر، فبعد خمس عشر عاما من الكتمان ما عاد لي جلد عليه. ليلة البارحة زارني في الحلم مرة أخرى،،، وجهه القمري قصيدة شعر منظومة بتجاعيد الشيخوخة،،، عيناه وجه الرب،،، شمس الأصيل،،، ضوء في نهاية طريق النضال الطويل.. صوته لحن إكزوتيكي كئيب يأخذني عنوة لليالي البحرين الحارة،،، للياليها الحزينة المضجرة ليبكيني ضحكا ويضحكني حتى الجنون،،، جنون العاشقين! البارحة جاء ليذكرني بأني مطالب بإذاعة السر حتى لا يموت وها أنا ذا ألبي دعوته الكريمة فأجرح وجه الصفحات بحروفي...
-1-
شمران ما ترك من أبيه مغدى ولا مراحا فقد كان شبيهاً بوالده الشهيد الأول كحيلان (رض) حد التطابق خلقاً وخُلقا، بل ربما فاقه شجاعةً وكرما (حيث أن كحيلان - رحمه الله - كان لا يخلو من نذالة وشيء من بخل وخسة فما كان يقري الضيف حتى لواسة إلا أنه كان عالي الذروة سني الحسب باذخ الشرف!) وما ذلك الشبه بالمستغرب فكما قالت العرب قديما "على أعراقها تجري التيوس".
شمران – كشأن الكثير من أقرانه وأخيافه – نشأ يتيماً إلا أن يتمه لم يؤثر في نشأته وتربيته أو على تحصيله الدراسي والعلمي فقد كان ينجح في كل عام بتفوق في مادتي التربية البدنية والفنية وإن كان يرسب في باقي المواد بتفوق أيضا! فبعد تعب ونصب أتم شمران دراسته - وما كاد أن يفعل لولا ألطاف ربك وأعطافه - فخرج إلى سوق العمل ليصطف في طابور العاطلين خلف تيوس عربية وأخرى باكستانية وسودانية لها الأفضلية في العمل لما لا يخف على أي خبير في شؤون الماعز من جودة تلك السلالات وقدرتها على التناسل والتكاثر، إذ أنه لا هم لها غير ذلك. ولو كان – دام بقاءه – مصطفاً في طابور "خباز القفول" بعد صلاة المغرب لوصل إليه الدور إلا أن طابور العاطلين هذا لا يتحرك ألبتة وعبثاً كان انتظار شمران ومن معه ما دفعه وآخرين للبحث عن لقمة العيش بطريقة أخرى فما كان منه إلا أن أقال عقاله وأسدل غترته وأطلق لحيته وحسن فعاله وانتظم في دروس حوزة محلية عله تُقدس أسراره كالآخرين ويصبح من المتخمين أو من قادة المجتمع ورؤسائه المنتجبين. وبعد عام كامل من النوم في حلقات تلك الحوزة بدأت تتفتح أبواب الجنان لشمران حتى أنه كاد أن يشم ريحها، فبالرغم من أنه لم تُقدس أسراره أو تمتلئ جيوبه وتتفتق أزراره إلا أنه بات يشار إليه بالبنان ويفسح إليه في المجالس وله دائماً مركز الصدارة فيها وصار لا يجالس إلا الأعيان، كل هذا وهو لم يقرأ سورة الإنسان بعد فماله وسورة الإنسان وهو تيس بالأساس؟!
-2-
في فترة التسعينيات وأحداثها الدامية تمرد شمران على رأي شيوخه ونظر للثورة بل وأصبح من قادتها مستثمراً استشهاد والده وصوره التي ملأت حيطان البحرين من أقصاها لأقصاها، فماكان من قوات "الشغب" إلا أن أحاطت منزله وألقت القبض عليه وجرجرته خارجاً دون أن تعطه فرصة لربط "دكة" سرواله أو تبديل "فانيلته" البيضاء المثقوبة عند الصدر بالجهة اليسرى ولا حتى أن يخلع فردة الجوراب التي كان يلبسها في قدمه اليمنى ولا أن يرتدي الفردة الأخرى. وبعد ثغاء ورغاء - وبعض مواء حتى - ونطح وترفيس تمكنت قوات "الشغب" منه ورموه بداخل الجيب رمية الكلاب إلا أنه أبى إلا أن يرمى رمية "تيس سيد" ففعلوا بل وجلسوا فوقه فغابت أنفاسه حتى كاد أن يفارق الحياة لولا أنه تذكر أن هذا أخف عليه من ثقل ذنوبه يوم القيامة فبكى من خشية ربه ... أو هكذا زعم! وبعد رحلة ما كان يظنها تنتهي وصل به الجيب إلى مركز التحقيقات حيث استقبله "عتوي" من "عتاوية" النظام له شوارب كجناحي نسر أفريقي مصاب بالصرع وعينين قد خاصمت إحداهما الأخرى فانتبذت منها مكاناً قصيا، قصير القامة دحداح إلا أن يداه طويلتان عليها عشر أصابع الواحدة منها كيد هاون صدئة! كان ذلك الرجل يزبد ويرعد بلهجة من لهجات أقوام بادوا لم يفهم منها الشيخ شمران شيئا إلا أنه ما إن سمع هيعه حتى ارتعدت فرائصه وانتفخت مساحره ونزل الرعب في قلبه، فخاطب نفسه محاولاً تهدئتها بأن هذا المحقق مهما كان شديداً فهو أخف بأي حال من الأحوال من منكر ونكير فهما بلاشك أكثر المحققين إثارة للرهبة في القلوب، فما إن هدأ روعه بتلك الكلمات التي تلقاها من نفسه حتى صرخ به ذلك الرجل الدحداح "شنو إسمك؟" فخر شمران صريعاً من توه وبدل رأيه في منكر ونكير وظنهما أرحم من هذا ا لحقير!
-3-
بعد أن أفاق شمران من سكرته وبعد أن بعثت به الروح من جديد وهو الذي أوشك ظله أن يضحو وبدا وكأنه قد انقطع إلى دار البقاء من وقع تلك الصيحة ... حاول عبثاً الإجابة على السؤال:
- أأأ ... إسمي كككـ كمران ... لا لا ثمران ... أووه حمران
فصرخ به الدحداح أخرى:
- أوقف عدل ورد يا حمار
وقد غاظ شمران أن يوصف بالحمار فاستورى غضبه وهو ابن الكريهة إذا ما اشتد غضبه، فرد على الدحداح دونما خوف أو فزع ... أو هكذا زعم وادعى:
- لو سمحت أنا مو حمار ... أنا تيس لا وسيد بعد!
أما الدحداح فما إن سمع تلك الكلمات من شمران – مد ظله – حتى بدأ يزفر من الغضب وينفت من الغيظ وأخذ ينظر إلى شمران بعينين يتطاير منهما الشرر، فخاطب شمران نفسه وقد هتك الخوف قميص قلبه:
- الآن "قُدس سرنا" ... الآن "على مقامنا" ... الآن "راحت على أمنا"
بعد ساعات أفاق شمران في زنزانة ظنها القبر وقد ضغطه، ولا علم له بما قد حل به بعد تلك الكلمات التي ألقاها على الدحداح فقد انسلت تلك اللحظات من ذاكرته دونما سبب يعيه. وكان – أعلى الله مقامه - قد اعتلت صحته وأصبح مردوعاً يشتكي الآلام في سائر جسده وبالأخص أسته التي كادت تنير زنزانته من شدة احمرارها!
-4-
قضى شمران وهو على حاله تلك أيام وليالي عدة ما كان يقوى فيها على الصلاة إلا منبطحاً على بطنه مفرجاً بين ساقيه فقد تقرحت إليتيه وغزتهما الدمامل والقروح. فلما وجدوه وما به حبض ولا نبض وقد أشرف على التلف وكاد أي يبلغ منه نسيسه حملوه إلى مستشفى خاص لإمثاله من المجاهدين الذين أجهدهم التعذيب، فعولج موضع إصاباته بفوط نسائية سورية الصنع رخيصة الثمن عليها بعض قطرات من مادة مطهرة على الأرجح أنها ديتول (أو سافلون على رواية ضعيفة السند!) حتى من الله عليه بشفائه وليته لم يفعل إذ أن شفاء شمران أدخله في حلقة جديدة من حلقات التحقيق مع الدحداح وزبانيته. فما إن وصل من مشفاه حتى أُستدعي مرة أخرى وأدخل في غرفة خافتة الأضواء نتنة الرائحة وأخضع لتحقيق شامل.
شمران كأبيه - رحمة الله عليه - بطل شجاع ثابت الجنان رابط الجأش لا يخش تحقيقات ذلك القزم الأحول ولا يديه الطويلتين ولا حتى تلك الأنابيب البلاستيكية السوداء التي رقصت "الليوة" على أسته بالأمس القريب. فبالرغم من كل ما مر به من معاناة وتعذيب وبالرغم من وجع مؤخرته التي لم تبرأ بعد والتي لا يكاد يرفع يديه من عليها، بدا متماسكة أثناء التحقيق بل وأظهر فكه أخلاقه وخفة ظله عندما سأله الدحداح:
-ها "مُلا"، إنت جمري لو مدني؟
لم يعجب شمران وصف "مُلا" الذي وصفه به الدحداح وهو الذي يرى نفسه على أبواب الاجتهاد، فأجاب باستخفاف:
-لا مو مدني ... أنا عسكري!
فامتعض الدحداح واستشاط غضبا فأمر بشمران فنتفت لحيته وضُرب ضرباً لم تضربه "وزغة" حامل وقد ضبطت بالفعل المشين بالقرب من مصباح على حائط حي بحراني فقير! فلما استوى في أيديهم كقرص "شباتي" أبيض أعادوه إلى الدحداح لحلقة تحقيق أخرى، ولكن شمران مضطلع بالشدائد لا تروعه النوائب ولا تنال من صبره الملمات فلما وجده الدحداح كذلك صرخ بمن معه:
-يييـــــــــبو القرشة...
-5-
و "القرشة" تلك جهاز تعذيب ذا طابع إيروسي عنيف - وإن كان للناس به مآرب أخرى - ويقال إن أول من اهتدى إليه هم قوم لوط ومنه أنواع وأصناف كثيرة، صغيرة وكبيرة تتراوح أحجامها بين "قرشة فلفل كرستال" صغيرة الحجم إلى "قرشة" خل كبيرة!
فلما جيئ بـ "القرشة" فارغة (وهو الذي ظن بأنهم إنما أرادوا سقايته قبل ذبحه) فطن شمران إلى ما يرمي إليه الدحداح فضم ساقيه وبل ثيابه وارعشت مفاصله وأرعدت خصائله وفتح عينيه دون أن يطرف موجهاً نظره صوب "القرشة" الخضراء وهي تقترب منه شيئا فشيئا وهو يجري حسابات على الحجم والكتلة! عندما صار بينه وبين "القرشة" بضع سنتيمترات واتضح له بأنها "قرشة سفن آب" صاح بالدحداح راجيا:
- زين جيب غرشة بيبسي من لصغار يالظالم!!!
فلما أدرك شمران أن لا أمل من الدحداح ولا طائل من رجائه ... تلجلج منطقه واصطكت أسنانه وصرخ بصوت متهجد مؤمن خاشع:
- مــاء مآآآآآآء امباع ... الموت أولى من ركوب الــعار!
فتناوشه رجلان من فصحاء القوم وصاح به أحدهما:
- ألهين يشوف إنته في يسوي إئتراف لو ما فيه.
وكان يقصد بأنا سنرى الآن إن كنت تعترف أم لا.
نزع سروال شمران وبانت عورته فانهملت عبراته على شرفه المضيع وضحكات الدحداح تملأ المكان ضجيجاً وهو يتغنى ساخراً بصوت كله نشاز:
- بينت لي كربله وهلت الدمعة ...
جُر شمران إلى حيث "القرشة" وهو يصرخ ويستنجد ويستغيث تارة ويسب ويشتم تارة أخرى:
-سيبووووني .... سيبوني يا ولاد الكلب إنتو فاكريني آيه؟!!
(إذ أنه كان متأثراً إلى حد ما بالأفلام المصرية!)
وما إن وصلوا به إلى حيث موضع "القرشة" الخضراء حتى فرقوا بين رجليه إلى أن سُمع صوت تمزق أربطته فصرخ كهندية تصارع آلام المخاض دون أن يكترث لصراخها أحد. فلما أحس بحرقة "القرشة" وهي تلج به نسي الألم وجاش بصدره الحزن واعتلجت به الهموم فأغشي عليه ولم يفق إلا وساقيه قد تنافرا كقطبي مغناطيس متشابهين.
شمران ما عاد يكترث لشيء بعد أن انفضت بكارته وهتك ستره واطلع الأغراب على أقدس قدسه، فباءت محاولات الدحداح، للضغط عليه، كلها بالفشل إلا أن هذا الأخير لم يفلس بعد فمازال بجعبته الكثير مما لم يره شمران في أسوء كوابيسه، ففي ليلة ظلماء خاصمها القمر واعتزلتها النجوم أمر بشمران فجعل وجهه في قبالة الحائط وكان – مــد ظله – لا يقو على ضم ساقيه (لما جرى عليه في الليالي السابقة) فعاجله بركلة بينهما، طالت منه موضع القرنفيش فانثالت رجولته وانتفخت كراديسه وتضخمت حتى غدا كبقرة هولندية مُرضع! ومنذ تلك الضربة وشمران بض الملمس رخو المجسة في مشيته الكثير من الغنج والدلال والعلكة لا تفارقه حلقه بل وأن أحب الأشياء إلى قلبه الآن هي "قرشة السفن آب" التي لا يلبث يوم أو يومين حتى يشتد عليه الوجد ويحن للقاها فيختلق له حادثة يغيظ بها الدحداح حتى "يعاقبه" بجلسة طويلة ولذيذة على تلك "القرشة". حتى فطن الدحداح إلى أمره وقال:
-طع ذيييي ... في دودة الملعون!!!
-6-
الدحداح لم يشذ عن أمر رفاقه من رجال النظام وزبانيته فقد كان، كما هو متوقع، سادي يعشق تعذيب الآخر وحرمانه مما يحب. فما إن رأى تعلق شمران بـ "قرشته" حتى قرر حرمانه منها بل ومنع أن يُدخل إليه في زنزانته أي جسم مدبب! فترجاه شمران وتوسل إليه بل وتضرع حتى أنه أبدى استعداده لتقبل "قرشة" خل من النوع الكبير أو "قرشة ماي ورد" على أن تكون من نوع " گلاب ربيع" أو أي جسم آخر حتى وإن لم يكن منتظما! ظل شمران يترجى وهو يرصد برق الآمال لكن من دون طائل فالدحداح قد أعرض دونما اكتراث لحاله حتى وصل الحال بشمران لاعترافات مزورة على أصدقائه وجيرانه بل أنه أفشى حتى أسرار عائلته وذكر كيف أنهم ضبطوا اخته الوحيدة – الحيزبون – وهي في معمعة محادثة غرامية ذات طابع منحرف مع تيس سعودي يعاني من التخلف العقلي والتأتأة.
لم يبق شمران على حاله تلك مع الدحداح سوى أيام معدودات حتى جاءت فترة ما يسمى بالمبادرة فهطل الغيث وعم البحرين هدوء وسلام وأُطلق سراح شمران وكثير من من معه، فاستقبل في قريته استقبال الأبطال وحُمل على الأكف والأكتاف فسر لذلك واستبشر وعاش أسابيع هي من أجمل سني عمره إلا أن أمر أبنته - التي أصيب بها جراء ما جرى عليه في المعتقل – لازال يشغله ويقض عليه مضجعه بل أنه غدا يتحاشى دخول الحوانيت فهو إن فعل ووقعت عيناه على "قرشة سفن آب" ارتبك وارتعب وسقطت الكلمات من فمه وسال لعابه وفغر فاه وصار لا ير سواها بل أنه في إحدى المرات توجه نحوها عازماً على الشر لولا أن أمسك به من كان حوله في الحانوت! فلما وجده أصحابه وقد على أنينه واشتد وجعه وكاد أن يفتك به وجده أشاروا عليه بالعلاج عند عطار (حواج) متخصصة في علاج مثل تلك الأمراض وقد شُهد له بالخبرة والعلم في هذا الباب.
قبل شمران رأي أصحابه وتوجه للمنامة باحثاً عن العطار فلما وجده احتار كيف يخبره بأمره وبلاه فلجأ لاستخدام الفصيح من اللغة كباقي المشايخ من أمثاله حتى لا يحرج نفسه، فخاطب العطار قائلا:
-حجي، ألاقي عندك دوه للأبنة
فرد العطار وعلامات التعجب قد ارتسمت على وجهه
-وهي ويشو بعد؟!
شمران: حكة في الموضع ... تكرم!!!
العطار: إإإيه هالمرض المقرود داير هالأيام حتى ما تشوف لصبيان إلا كله متقالصين!!!
ولم يفته أن يعقب:
-لكن هذا كله من غراش الفلفل اللي تقربعونها
فرد شمران بانكسار:
-لا حجي هذا من غرشة سفن آآي!! (فشمران لم يعد يطلق عليها سفن آب بعد ما أصابه منها وإنما سفن آآي)
لم يشأ العطار أن يطيل الجدال حول سبب ما يعاني منه شمران فغير مجرى النقاش:
- لوّل كانوا يعالجونه بماي لرجال بس ما فاد لأني أعرف واحد كانوا يجيبون له ماي لرجال من الهند بس مات ولا بره، هذا ياولدي دواه مر؟!ا
شمران: إللي هو بس أنا افتك من هالبلوة.
فأشار عليه العطار بـكي الموضع وبعد تمنع وتردد فعل ومن الله عليه بالشفاء وعاد كما كان فحلاً مكتمل الرجولة أقصد "التيوسة" دون حكة أو "دودة" حتى أنه تمتع نصف غنمات الحي مما أثار موجة من ا لرعب في أوساط باقي التيوس التي باتت تستشعر نقص في تيوستها مقارنة بشمران الذي ترتمي الحسناوات بين ذراعيه دون سبب يعرفونه غير تخصصه في باب الأنكحة.
-7-
شمران الفطن الزكن يكتفي بالإشارة ويجتزئ بيسير الإبانة، لم يفته أن أمر تلك المبادرة لن يطول وسرعان ما ستسوء الأوضاع ويعود النظام إلى ما كان من ظلمه وبطشه، ومعارض بوزن جنابه سيكون بطبيعة الحال على رأس المطلوبين لأمن الدولة وكلاب المعتقلات فقرر الهجرة إلى حيث الحرية والخلاص. فاحتار بين قُم وعلمها الجم وبين لندن ودعوات المعارضه له هناك بالانضمام إلى صفوفها فاختار الأخيرة ربما لأن في قم حرية بينما في مدن الضباب حريات!
حجز شمران على أول طائرة متجهة إلى لندن ولسوء حظه - أو لحسنه - كانت تلك أول مرة يركب فيها طائرة حتى أنه – أعلى الله مقامه – كان يعتقد بأن توزيع الكراسي على الطائرة يتم على قاعدة "من سبق لبق" كما في باصات النقل العام التي تعود التنقل بها، فأسرع بالدخول قبل الآخرين وجلس في مقدمة الطائرة بالقرب من النافذة وأجهد المظيفين والمظيفات حتى اقتنع بفك الارتباط عن ذلك الكرسي الذي استولى عليه فكل ما دعوه للإنسحاب أجاب:
- أنا جاي قبل ... تشيفة هي واسطات يعني؟!! لا ويقولن لندن وحرية ومساواة بعد!!
بل انه – عفى الله عنه - لم يكن يدر ما يطلق على المضيفات إن هو أراد نداء إحداهن، فخاطب واحدة:
-سيستر ... سيستر
(فالمرة الوحيدة التي خاطب فيها شمران امرأة أجنبية كانت في المستشفى حيث تسمى الممرضة "سيستر")
فاستدارت إليه وهي ترمقه بشزر وتقزز:
-يس؟!
فطلب منها عصير (بلغة ظنها انجليزية على ما يبدو)
-أسير بليز
فرمت عليه علبة عصير ظل يرضع منها حتى انخمد ونام ولم يصح إلا والطائرة قد حطت على أرض الأحرار.
استقبله بإرض المطار "أبو أيل" (وهو معارض أشهر من أن يعرف به) حسن المظهر معسول الكلام أحسن استقباله وخلص أوراق لجوئه وأوصله إلى حيث مقر المعارضة فاحتفى أفراد الجالية بشمران أيما احتفاء وأقاموا المأدبات على شرفه حتى غدا مكتنز اللحم غليظ الربلات.
-8-
شمران ما إن شم ريح الحرية وذاق طعم الانعتاق حتى انقلب من تيس طاهر الديل عفيف الدخلة عزوف عن الفحشاء إلى فاجر فاسق فاحش اللسان بذيء المنطق، فحلق لحيته ورمى غترته وعاث في شوارع لندن وأزقتها فسادا فاشتهر وذاع صيته بين حسناواتها حتى أن الواحدة منهن كانت تفاخر زميلاتها بمعرفته!! وقد أخبرني أحدهم بأنه ضبطه يلاحق حسناء شقراء عند أطراف "سوهو" وفي يده قنينة من شراب "تانجو" البرتقال، وهو يرتجز رائعة مهدي سهوان:
-دعني أشم صدرك يا ذا الفؤاد المجزع ... أقبل النحر الذي سيرتوي من...
فلما سأله عن فعله ذاك ادعى بأنه إنما كان يحاول جذبها إلى مذهب آل البيت عن طريق إطرابها بفقرات من قصائد رائعة كتلك وهو – حسب زعم شمران – أسلوب ناجع ومجرب!
أما أساطين الجالية وقادة المعارضة هناك فما إن وصلهم ما كان من أمر شمران حتى ثار كمين ضغنهم وبعثوا دفين حقدهم وغدا الواحد منهم يُشرب الآخر عداوته ويوغر صدره عليه كل ذلك ظلماً وحسداً من عند أنفسهم لشمران وكيف لا وهو الذي سجل فتوحات بحرانية مهمة في بضع أسابيع بينما عجزوا هم عن الإتيان بمثلها في سنوات! حتى أن شمران عادة ما يستشهد بقول "أبي أيل" له عندما لاقاه عند "البكيدلي" وهو بصحبة فاتنة من آل روتشفورد:
-ياليتنا كنا معكم ثم يا ليتنا كنا معكم.
بل وحتى السيد "الآلوجي" وهو المفكر المعروف والأديب الشهير كان عادة ما يمسح على كرشه ويقول "هنيئاً لك يا شمران فقد أوتيت خير الدنيا والآخرة"
ولم يكن كل فعل شمران دليل تفسخ واستهتار أو دعارة وعهارة وإنما كان فعله – أعلى الله مقامه - اجتهاداً كما أخبر، فشمران ليس جاهلاً بالدين وعلومه فهو ابن الحوزة وربيبها فإلى جانب كتابي التبصرة وكتاب آخر نسي اسمه قرأ نحو نصف كتاب من كتب أركون ومقدمة للجابري وموضوع في نشرة اسمها اسلام 21 كانت تصدر هناك، فأجاز لنفسه أمور بحكم تغير الظروف الاجتماعية والموضوعية بين البحرين ولندن. فهو إن أصاب فله أجرين وإن أخطأ فله واحد وهذا ما كان يعنيه سماحة السيد "الآلوجي" عندما أخبر بأن شمران قد أوتي خير الدنيا والآخرة.
واستمر شمران على ذلك أشهر عدة حتى أوشك أن يصاب بالعنن لولا أنقذه أحد الإخوة السلفيين المقيمين في لندن بـ "دهن الخرتيت" المجرب والمعروف لديهم إذ أن لأولئك – أعني أهل السلف في لندن وضواحيها - باع طويل في الدعوة والإرشاد على طريقة شمران!!!
بعد قرابة الخمس سنوات من انقطاع شمران عن التعامل المباشر بالسياسة وانغماسه بأمور الدعوة وهمومها طرح في البحرين مشروع ميثاق العمل الوطني فسمع شمران بأمر الحراك السياسي الجديد في البحرين وكسر الجمود السائد منذ عدة سنوات فاشتاق للانخراط في سلك المعارضة من جديد فهو معارض بطبعه فعاد والتحق بالقادة في لندن ولكنه عندما زار مقرهم هناك وجد أن جلهم أقفل عائداً للوطن فحن للعودة هو الآخر لو لا أن رأى "قرشة سفن آب" ملقاة على الأرض بالقرب من المطبخ أعادت إليه المعنى الحقيقي للوطن كما كان قد ارتسم في ذاكرته ولكنه وبالرغم من ذلك لم يخف حنينه لهما - أعني الوطن والغرشة - فمسح برقة عليها وسال هيدب دمعه وقال:
-وما حب الغراش شغفن قلبي ولكن ...
(بيد أني أظنه كان يحاول أن ينفي التهمة عن نفسه بالبيت الذي ارتجزه!)
-9-
اطلع شمران على مشروع الميثاق المزمع طرحه على التيوس المستضعفة للتصويت فلم يجد بداً من معارضته من أصل ديباجته حتى آخر نقطة بعد آخر سطر من أسطره وتوقع أن يفعل الناس كذلك، إلا أنه صدم عندما عرف بأن جل القيادات السياسية في الداخل وبعض الذين بالخارج مؤيدة للتصويت بـ "نعم" ... اغتاظ شمران وتنمر - أو تتيس – فأي نعم هذه ودم كحيلان لم يجف بعد؟؟؟ أي نعم هذه وأنا لازلت لا أقو على الجلوس كتيس محترم ... أي أي وأي؟؟؟؟ أصدر بياناً يدعو التيوس للامتناع عن التصويت والمطالبة بالحقوق المسلوبة وبمحاكمة الدحداح ومن وراءه إلا أن آخرين على أرض الوطن دعوهم للتصويت بـ "نعم" دون شرط أو قيد وبدا واضحاً ميل الأكثرية لرأي هؤلاء، فبكى شمران بكاء الثكالى وقد أحس بأن كل التضحيات قد بيعت بجرة قلم. إلا أن رفض شمران لم يدم طويلا ففي تلك الأثناء تفجرت عبقرية السيد "الآلوجي" عن نظريته التي حفرت اسمه على صخرة التاريخ، فبعد ان التقى شمران السيد "الآلوجي" للمرة الأخيرة في لندن وبالقرب من محطة "كنز كروس" بالتحديد حيث كان يقضي – أقصد شمران - جل وقته هناك بصحبة بعض الظرفاء من الحشاشين والمتشردين الذين لم يخفوا اعجابهم بشخصية شمران وفكره وأساليبه الدعوية الرائعة، عندما التقاه هناك أخبره عن نظرية (الآلوة الحارة) التي أوحيت إليه مؤخراً.
بالرغم من أن الدعوة ما زالت في طورها السري إلا أن السيد "الآلوجي" ارتأى أن يخبر شمران بها إذ أنه كان يعتبره من عشيرته الأقربين على ما يبدو! فما إن تلقى شمران أصول تلك النظرية وفروعها حتى بات من أشد المؤيدين للميثاق ولما سمي بالمشروع الإصلاحي في حينها، فشد رحاله عائداً للوطن إلا أن جماعة، من خمسة أشخاص يتوسطهم رجل سمين، ممن بقوا على معارضتهم في الخارج استوقفوه عند خروجه وصاحو به:
-يا رايح وين مسافر تروح تعيا وترد لي
إلا أن شمران، ككل من آمن بنظرية "الآلوة الحارة"، كان قد أصابه شيء من الغرور والعجب فصاح في سمينهم:
-أوم أوأف وانته بتكلمني
ودفر الباب وخرج دون اكتراث لرأي هؤلاء.
عند وصول شمران لأرض المطار استقبل استقبال الأبطال حيث كان بانتظاره هناك عشرات الآلاف من التيوس والأغنام، عربية وغير عربية، شدت الرحال من أصقاع البلاد لتحيته حتى أن أحدهم وكان يدعى "موهن" وهو من أصول هندية ما إن وقعت عينيه على شمران حتى صرخ:
-شمران ... شمران
فأجابته الجموع
-زنداباد
وظل هذا نشيدهم ("موهن" يصرخ "شمران ... شمران" وهم يجيبون "زنداباد") إلى أن وصلوا به إلى باب حضيرته.
-10-
بعد أن استقر شمران في البحرين أسبوع أو نحوه وبدأ عدد زواره بالتناقص والاضمحلال ووجد نفسه دون عمل أو وظيفة، خشي أن يصطف في طابور العاطلين مرة أخرى وأن يعيد التاريخ عليه نفسه، فخطر بباله طلب المساعدة من أحد المشايخ، لم لا وهو تيس سيد وله في ذمة هؤلاء حقوق، فطرق باب أحد المشايخ من ماركة "وانكحوا ما طاب لكم" وسأله العون فتبسم الشيخ ابتسامة شريرة ورجع إلى الوراء ثلاث خطوات كراقصة "باليه" رشيقة (حتى أن شمران تساءل في نفسه عن ماهية تلك الحوزة التي تخرج منها هذا الشيخ وظن أنها لاشك فرنسية أو روسية) واصل الشيخ خطواته الرشيقة للوراء واعتلى "مسندين" كان قد وضع الواحد منهما على الآخر لسبب ما، وما إن استوى الشيخ عليهما حتى فتح بشته فكشف عن كرش شحيم تتوسطه سرة سوداء عميقة كبركة صيفية حتى أن شمران ظن أنه رأى أشياء تسبح فيها ... رفع الشيخ جُبته وكشف عن ساقيه ومد إحدهما كمنقاش خباز باتجاه شمران فطار عليه كـ "جيم سوبر فلاي سنوكا" ورفسه رفسة فأرداه فارتمى أحد الملالي المرافقين للشيخ وثبته ثلاثاً!!!
بعد ما جرى على شمران في لقائه المشئوم بالشيخ يئس من هؤلاء وانقطع منهم أمله فارتأى الاتصال بالملأ الأعلى عن طريق السيد "الآلوجي" الذي غدا بفضل نظريته "الحارة" واحداً من هؤلاء، فحاول جاهداً لقاءه إلا أن هذا الأخير كان قد دخل في زمن غيبته الصغرى (أو لربما الكبرى، الله أعلم) وصار لا يلتق إلا ببعض سفرائه. فأشاروا عليه أن يراسله عله يجيب، فكتب إليه:
حجة الله "الآلوجي" دام بقاءه،
مآآآآآء عليكم ونطحة وبركات وتحيات تيسية خضراء رطبة ... سيدي ومولاي ومأملي في دنياي، لأي الأمور إليك أشكو ولما منها أضج وأبكي أ للدحداح و"قرشته" أم للجوع وقرصته أم للشيخ ورفسته؟!!
سيدي لقد صيرني الجوع من تيس سمين عبل إلى آخر نحيف شخت حتى أن صغار الحي لا يسموني إلا "ترن ترن" فهل تكرمت علي بجودك ووظفتني مع بعض أحبائك وجنودك؟
تحيات أحر من آلوتك،
شمران كحيلان التيسي
-11-
عندما استلم رسالة شمران، كان السيد "الآلوجي" قد فرغ للتو من التهام هامور صومالي "مصرقع" أهدي إليه من قبل جماعة مؤمنة بنظرية "الآلوة الحارة" تستوطن جمهورية أرض الصومان وتتخذها منطلقاً لنشر دعوتها في ربوع أفريقيا السمراء. وما إن اطلع على ما في الرسالة حتى انهار وبكى بكاءً سالت معه "سناسينه" وغدا مريضاً عليلا لا ينطق إلا اسم شمران دون أن يدرك الأطباء ما ألم به، فأشار على أهله صديق لهم أن ينتدبوا من يأتيهم بثلاث نساء متخصصات في مثل هذه الحالات الغامضة، ففعلوا.
وفي مشهد مليودرامي ممسرح و"الآلوجي" ممدد على سريره ليس عليه من الملابس سوى "هاف طق طق" طويل - من إرث أيام المعارضة الباسلة في مدن الضباب - ودخان البخور و "الشبة" و"النقضة" يملأ الغرفة، دخلت ثلاث نساء سود من طراز "أم هلال" (إحداهن من الزلاق والأخريين من البديع) وأصوات الدفوف تخترق المسامع برتم شجي وألحان حزينة تتفطر لها القلوب (وربما تتسحر أيضا) وهن يرددن "حُمُمو... حُمُمو... يا شمران حُمُمو ..." وهكذا دون أن يدرك أحد من الحاضرين معنى تلكم الكلمات التي كن يتغنين بها والتي كانت على ما يبدو بقايا لغة أفريقية جاءت معهن من حيث جئن!!! تتسارع ضربات الدفوف ويتسارع معها رتم اللحن الذي كن يرددنه مع بقايا أصوات في المؤخرة تصيح "الله حي ... الله حي" وثلاث نساء يرقصن في دوائر صوفية بشكل هستيري ويزداد دخان البخور والنقضة والشبة كثافة وتزداد الضجة فيُخرج "الآلوجي" صوتاً غريبا من حيث لم يتوقع أحد فتختلط الرائحة برائحة البخور فيغمى على إحدى النساء (وهي الزلاقية على ما يبدو) فتصمت الدفوف وينقشع الدخان وإذا بـ "الآلوجي" واقف في وسط الغرفة نافخ كرشه وقد جاش مرجل غضبة وهو يصيح بمن حوله:
-بره يا حوش ... بره يا كلاب
إلا أن "الآلوجي" – دام عزه – بعد أن أفاق من سكرة مرضه نسي ما كان من أمر شمران ورسالته، وبقى هذا الأخير ينتظر على أمل جواب من قبل الأول لكن عبث كان انتظاره.
-12-
بعد أن يئس شمران من أمل الحصول على جواب من سماحة السيد "الآلوجي" – تقدست أسراره – حول اتجاه بوصلته بمقدار ست درجات وأربعة أعشار الدرجة باتجاه رفيق نضال آخر من زملاء الغربة اسمه "أبو أيل"، صارت له حظوة عند الملأ الأعلى وأسس لجريدة "معارضة" أسماها "على بُرد"!!! كان "أبو أيل" بالرغم من اختلافاته الفكرية الحادة مع السيد "الآلوجي"، مؤمناً بنظرية "الآلوة الحارة" عملياً فخلافهما –رضي الله عنهما– إنما كان حول بعض المواد الفرعية للنظرية وزعم "أبو أيل" تنزلها عليه دون الأول.
دخل شمران مقر الجريدة المباركة وقد قصفه الجوع وغادره عظاماً تتقعقع، جاحظ العينين مقوس الظهر كهلال ليلة الشك أو لربما أدق وأنحف، وكان – تقدست أسراره – مرتدياً "فانيلة جاسم" سوداء مدلوعة الياقة عند الرقبة وشسعي نعل "زنوبة" خضراء كان قد أفتى لنفسه بجواز سرقتهما من على باب مسجد للاضطرار. قصد شمران بحاله تلك مكتب "أبي أيل" فسأل السكرتيرة مقابلته:
-ممكن أقابل "أبوأيل"؟
دخلت السكرتيرة على "أبي أيل" وأخبرته بأن أحدهم على الباب:
السكرتيرة:في واحد يبغى يقابلك؟
أبوأيل: من؟
السكرتيرة: ما ادري ... بس شكله طرار!!!
أبوأيل: زين اعطيه ربيتين وقولي له "الله يعطيك".
شمران قد حز في نفسه ما قد سمع من حديث السكرتيرة و "أبي أيل" فقاطع حوارهما بدخوله فالتقت العينان بالعينين وساد صمت غريب وباتت حركة الأشياء بطيئة بل هي أقرب للسكون ... لحظات من الصمت تتلوها لحظات ... فيُعزف لحن جنائزي حزين وقدم شمران كقلم "بنسل" في طرفه "طُبقة زنوبة" خضراء تتحرك حركة بطيئة للداخل وعيني "أبي أيل" تفيض بالدموع وشفتي شمران تترتجفان ... مزيد من المسيقى الجنائزية ... شمران (ولا زالت الحركة بطيئة) يقترب من "أبي أيل" ويمد يده المباركة إليه ...
شمران: شحوالك أستاذ ... شلونك ... كيفك؟؟؟
فيجيب "أبو أيل" بصوت "فيروزي" متهجد وقد سال هيدب دمعه فبل كريمته:
-كيفك انته ملا انته ... فاكر آخر مرة شفتك ...
فتقاطعه السكرتيرة ببكائها ... والمسيقى الجنائزية تملأ المسامع وتُدمع العيون وجمهرة من الموظفين تحتشد أمام الباب بمناديل بيضاء يلوحون بها لشمران ... تجهش السكرتيرة بالبكاء وتصيح:
- آآآآآآآآه ماني قادره ذبحتني يا شمران ذبحتنيييييي.
فيبكي الموظفون و"أبوأيل" وشمران معاً وتتوقف المسيقى ويختتم المشهد.
-13-
بعد إن انفض المأتم الذي أقامه "أبوأيل" لاستقبال شمران، تبادل الإثنان أطراف الحديث برهة من الوقت فشيع الأول الأخير إلى الباب بعد وعود وعهود وأيمان مغلظة بأنه سينتشله من فقره وعوزه كانتشال ذبابة كانت قد نفذت عملية "كمكازية" انتحارية في كاس شاي باردة!!!
غادر شمران مطمئنا لوعود "أبي أيل"، فهو الذي إذا واعد أوفى، ولكنه كان يتمنى لو أن "أبا أيل" عزمه على سندويتشة فول يتيمة بدل كأس الشاي المر الذي ما إن ذاقه حتى أخذ يشاكس "أبا أيل" ويحاول إحراجه:
-زين، مُر علينا ...
أبو أيل وكأنه لم يفهم ما كان يشير إليه شمران:
-إن شاء الله.
شمران أخذ الكأس ورشف رشفة بصوت مرتفع:
-المهم ... مُر
-14-
بعد خمسة أو ستة أيام من لقاء شمران بـ "أبي أيل" نشرت صحيفة الأخير لقاء مع الدحداح بزعم الوسطية ونقل وجهات النظر المختلفة والمتخلفة معاً على السواء وحجج أخرى كثيرة لا مجال لذكرها... شمران ما إن شاهد صورة الدحداح تتوسط الجريدة حتى أخذ يتحسس مؤخرته كمن كان يبحث عن شيء أضاعه فيها... لا لم يكن يبحث عن آثار لـ "قرشة" الدحداح بل لذيل أخرى ظن أنها قد نمت له جراء جرعة الاستحمار المركزة التي تلقاها من "أبي أيل" ومن لف لفه.
بعد كل الذي جرى على شمران من سجون ومعتقلات وتعذيب وتشريد وغدر رفاق وخيانة قضية، يئس من أي تحسن ممكن على مستوى الأوضاع السياسية فانسحب مضطراً من الساحة تاركاً المجال لتيوس أخرى لديها من الوقت الكثير لإضاعته ومن القوة أكثر لتحمل الدحداح و"قرشته". وبعد انسحابه من الساحة أسس شمران لامبراطوريته الاقتصادية بافتتاح شركة مقفلة (وكان لابد لها أن تكون مقفلة) باسم "شمران للختان وإعادة الختان" وكان تخصصه الختان على الموضة وبطرق جديدة مبتكرة حتى صار الواحد من أبناء الذوات يعاوده كل عام ويفاخر رفاقه بزيارته، ويذكر أن شمران أرسل رسالة لئيمة لكل من السيد "الآلوجي" و"أبي أيل" يدعوهما فيها لزيارة محلة والحصول على ختنة رائعة آخر موضة بأسعار مغرية.
آخر مرة شوهد فيها شمران هي قبل يوم أو يومين من مكرمة الخراف ويعتقد أنه كان من ضمن من ذهب ضحية تلك المجزرة البشعة حيث أن الناس غدت لا تميز بين تيس كريم سيد وخروف متخلف!!!
- تمت -
تحياتي،
حسن الخزاعي
<< Home