Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الاثنين، سبتمبر 05، 2005

عملاء المخابرات مرة أخرى




تبا لأجهزة المخابرات اللئيمة وكل عملائها اللعناء الذين لا يأتونا إلا قيضا (ربما لمواصلة التنغيص علينا وملئ الفراغ الذي تركه الصحافيون في فترة إجازاتهم الصيفية)... في العطلة الأسبوعية الفائتة، والتي كانت مشمسة على غير العادة، أعادت تلك الأجهزة الملعونة إرسال عملائها الأنذال للنيل من جسدنا الطاهر الشريف،،، كنت أسمع أزيزها وطنينها، الذي ملأ الغرفة، إلا أني لم أتمكن من رؤيتها ألبتة الأمر الذي سهل مهمتها كثيراً فنالت من جسدنا الشريف ما يقارب العشرين قرصة! ارتأيت بأن أخرج "كخروج موسى خائفا يتكتم" وأنزل السلم الخشبي، شديد الانحدار، للطابق الأرضي عليّ أحضى بليلة هادئة هانئة بعيدا عن تلك الحشرة السافلة، إلا أني في غمرة الخوف والفزع نسيت نظاراتي، التي من دونها لا أبصر إلا بالقدر الذي تمتع به الفاسق الضال "طه حسين" في حياته، الأمر الذي تسبب في سقوطي سقوطا حرا من أعلى السلم حتى أسفله،،، وعند عتبة السلم الأخيرة، تكومت على نفسي وهيدب دمعي الطاهر يكاد يبل كريمتي،،، ثلاثة عصافير بيض رسمت دوائر كارتونية فوق رأسي بينما تدلت قدمي اليمنى من فوق كتفي الأيسر ورأسي مزروع في خاصرتي،،، السنفونية الخامسة، للكافر بيتهوفن، عُزفت على جسدي المتكوم كأطراف لا علاقة لبعضها ببعضها الآخر فأيقنت بأني رأيت السيد عزرائيل شاخصا أمام عيناي فسألته أن يستمهلني ساعة، أو بعض ساعة، أودع فيها الأهل والأحباب!!!

الإجازة الأسبوعية الفائتة لم تكن سعيدة أبدا، فبعد ذلك الهجوم الغاشم والسقوط المؤلم وما تركه من أثار دمار شامل ومناطق منكوبة في مختلف أنحاء جسدنا العليل وأرجائه لا تضاهيها حتى تلك التي نكبها إعصار العاهرة الفاجرة كاترينا، بعد كل ذلك أشارت عليّ زوجتي بأن أتعالى على آلامي وأن أذهب معها في رحلة تسوق علّي أبرأ أو تخف أوجاعي!!! كان بودي أن أمسك بتلابيبها وأصرخ بوجهها بأن رحلات التسوق تلك لا تخفف من آلامي شيئا بل أنها تزيد من أوجاعي وتنكب محفظتي التي نجت من أثار الهجوم الآثم والسقطة العظيمة إلا أني لم أجرؤ على فعل ذلك لأسباب عقائدية وأخرى فنية!!!

مشيت الطريق لمحطة القطارات المركزية اتوكأ على مظلة عتيقة بالرغم من أن السماء صافية وليس بها أثر لغيم، تسلقت عتبات القطار الثلاث كمخلوق نصف آدمي لازال يمشي على أربع، حتى أني رأيت طفلة بغيضة تشير إليّ من بعيد، ساخرة وهي تقول "سميگل ... سميگل" (Smeagol) قاصدة تشبيهي بمخلوق الگولم (Gollum) المقرف الذي ظهر في فيلم "سيد الخواتم" ... سامحتها الآلهة، فهي لا تدرك بمن سخرت ولا تدرك جلال قدرنا وعظم مقامنا وتاريخنا النضالي الطويل!!!

في القطار ألقيت برأسي، أو ما تبقى منها، على الكرسي ورحت أتمتم بأغنية تذكرتها فجأة:

علمني حبك أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور لمرأة تجعلني أحزن ...
لمرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور
لمرأة تجمع أجزائي كبقايا البلور المكسور

أحسست وكأن صوتي رائع جدا فرحت أردد الأغنية مرات ومرات،،، صوتي الملائكي يصدح ويطرب كل ركاب القطار،،، بعض النساء بدأن يبكين فيما صرخ بعض الرجال لشدة ما استمتعوا بوصلة الطرب تلك وبكاء الأطفال ملأ المسامع،،، انطلق صوت من مكبرات الصوت (أظنه كان الكابتن) وتحدث بالهولندية التي لا أفطن منها شيئا إلا أني ظننته انتشى طربا هو الآخر،،، لحظات من الصراخ والعويل والتصفيق حتى تخطى الجموع عجوز تجاوز المائة عام ونيف، بينه وبين القبر ليلة أو ليلتين على أكثر تقدير،،، مشى نحوي وروحه تكاد تفارق جسده وبعد أن أجهده المشي واصل طريقه حبواً إلى أن وصل عندي وبنوازع شريرة أردت أن أزيد من معاناته بأن أطربه بأغنية أخرى فهممت أن ألقي على مسامعه رائعة سيد مكاوي "وحوي يا وحوي إيييوحا.. وكمان وحوي إيييوحا" إلا أني توقفت رأفتا بحاله وخوفا من أن يُسلم المسكين روحه... بعد أن وصل عندي توجه لي بكلمة في صيغة سؤال:

- كازم؟! (يقصد كاظم)

فهززت له رأسي موافقتا وقلت "نعم" فما كان من ذلك العجوز الفسّاء اللعين إلا أن بصق في وجهي ودلف!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة