Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الخميس، سبتمبر 08، 2005

طور كآبة



عيناك الدمع الأسود فوقهما يتساقط أنغام بيان
عيناك وتبغي وكحولي والكاس العاشر أعماني

وأنا في المقعد محترق نيراني تأكل نيراني
أأقول أحبك يا قمري آآآه لو كان بإمكاني
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني

سفني في المرفئ باكية تتمزق فوق الشطآن
أأسافر دونك ليلكتي يا ظل الله بإجفاني
يا صيفي الأخضر يا شمسي يا أجمل أجمل ألواني
هل أرحل عنك وقصتنا أحلى من عودة نيسان
يا حبي الأوحد لا تبكي فدموعك تحفر وجداني
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني

فأنا إنسان مفقود لا أعرف في الأرض مكاني
ضيعني دربي ضيعني إسمي ضيعني آه عنواني
تاريخي ما لي تارخٌ إني نسيان النسيان
إني مرساة لا ترسو جرح بملامح إنسان

ماذا أعطيك أجيبيني، قلقي إلحادي غثياني؟
أنا ألف أحبك فابتعدي عني، عن ناري ودخاني
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني

قصيدة "عينيك" للكافر الفاجر الفاسق المرتد نزار قباني، الذي حتما سيشوي الله مؤخرته في نار جهنم حتى تغدو كليمونة سوداء يابسة كتلك التي تُستخدم في الصالونة، بل وأفتى آخرون باستحباب استخدامها في المچبوس والمحموص أيضا إلا أنه قول ضعيف ومردود عليه بل هو من بدع الرافضة الزنادقة والجهمية (راجع كتابنا الموسوم بـ "الصواعق المحرقة في خلط الليمون بالمرقة)

تلك القصيدة الكئيبة هي كل ما خطر ببالي ونظرات أولئك الملاحدة الملاعين تحرق ما تبقى من كرامتي المهدورة عند مجرى نهر آيسُل Ijssell المجاور وضحكاتهم الساخرة تريق ما لم يُرق بعد من كبريائي المهروقة... أقسم بأن الأرض اليابسة غدت تحت قدمي حقل عجين لين بالكاد أستطيع المشي خلاله،،، تغوص أقدامي بداخله عميقا فأتقزم .. أتقزم .. أتقزم حتى أكاد أختفي بداخله تماما،،، أتباطؤ .. أتباطؤ .. أتباطؤ حتى أكاد أقف في مكاني وأعينهم تغسلني كخرقة بالية مزقها الزمن،،، كـ "بيز" قذر بين يدي خادمة بنگالية مصابة بكآبة مزمنة وزكام... لست أدري أي خطيئة تلك التي اقترفتها حتى تعاقبني السماء هكذا،،، أخطيئة هي إن أراد الواحد منا الرجوع لأيام طفولته لحظة؟! أجريمة هي أن قلدنا الأطفال مرة؟!

فيما كنت أتهادى بين الربوع الخضراء ممتطيا "سبارتا - غزال" (هذا اسم دراجتي الهوائية الفاتنة) إذا بفكرة طفولية مجنونة تلمع في رأسي، التي تركها "بالهاج" متصحرة قبل يومين،،، فقد عزمت على أن أجرب حظي برفع كلتا يداي عن المقود كما يفعل أطفال الهولنديين في طريق ذهابهم للمدارس صباحا،،، تلفت إلى جانبي وورائي لإرى إن كان أحدهم يشاهد ما أنوي القيام به فلما وجدت الطريق خالية أسرعت قليلا حتى أضمن الحفاظ على توازني وتركت المقود من يدي وما هي إلا لحظات حتى وجدت نفسي أسبح في مجرى الماء مع بطة متخلفة عقليا ظنتني أمازحها!


الماء يغمرني،،، إني أغرق أغرق أغرق وأشياء خضراء مقرفة تعلق بي،،، مسيقى جنائزية كئيبة عزفت في المؤخرة فيما أصوات ابتهالات صوفية تتردد بين الحين والآخر "الله حي ... الله حي"،،، دفوف تضرب فوق رأسي... ألقيت بنظرة صوب "سبارتا" لأرى إن كانت لاتزال بخير فلم أجد سوى فقاعات الماء مكانها ...

عيناك الدمع الأسود فوقهما يتساقط أنغام بيان
عيناك وتبغي وكحولي والكاس العاشر أعماني

تركت "سبارتا" حيث هي غارقة وفارقتها، فراقُ صب وامق، وعيناي تفيض من الدمع حزنا ولسان حالي يقول:

أأسافر دونك ليلكتي يا ظل الله بإجفاني؟!

عند محطة القطارات انتظرت ساعة، أو بعض ساعة، حتى تجف ملابسي قليلا وركبت القطار،،، جلست بالمقعد فبدأت أقطر كصنبور ماء معطوب،،، نقط تتلوها نقط تتساقط من تحت المقعد على أرضية القطار محدثةً صوتاً ظننت بأن الكل يسمعه... أحسست وكأن مصابيح الكون كلها قد أطفئت لحظتها وبأن هالة ضوء بيضاء ناصعة أضيئت حولي أنا فقط، وبأن كل الأعين مركزة عليّ الآن،،، بالكرسي المجاور جلست عجوز شمطاء، تشبه المرحومة ميساء العجوز كثيرا،،، نظرت إليّ نظرة استهجان مقرفة ثم نظرة أخرى للكرسي الذي غادرته للتو، إذ أن اللئيمة الساقطة ظنت بأني قد أحدثت على الكرسي شيئا،،، تباً لها تلك الفسّاءة الصغيرة، كم كان بودي أن أمسك بتلابيبها وأبصق برقبتها وأركلها بخاصرتها النحيفة ركلة تكون القاضية...

لم تكن تلك العجوز هولندية أبدا بل كانت بملامح شرق أوسطية وربما فارسية بالتحديد، إذ أني عندما تذكرت "سبارتا" المسكينة وفراقي المؤلم لها رددت قول نزار "يا صيفي الأخضر يا شمسي يا أجمل أجمل ألواني" وما إن سمعتني أقول "شمسي" حتى استدارت لي وضحكت بغنج، فشككت بأن اسمها ربما يكون "شمسي"!!!

لتكتمل دائرة النحس عليّ، عندما رجعت للمنزل وجدت بأن زوجنا المصون قد نسيت هاتفي النقال في بطن الغسّالة وأدارتها عليه عشر دورات أو أكثر في وسط كومة من الملابس وطوفان من صابون الغسيل والكلوركس فخرج من بطنها مصاب بالدوار فتقيء ما في بطنه وهلك!!!

أبعد كل هذا تلوموني إن أنا دخلت في طور كآبة؟!

تحياتي،
حسن الخزاعي