Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الثلاثاء، سبتمبر 06، 2005

صاحب الجلالة "بالهاج"

يبدو بأن اهتمامي بالسياسة قد قل، أو ربما تلاشى بالمرة، فلم أعد أكترث لما يحدث بالبحرين أو حولها أو ما يمكن أن يترتب عليه في المستقبل أبدا، إلا أني وبالرغم من هجري لتلك الأمور الكريهة لم أتمكن بعد من خلع ما ألبستنيه السياسة أو ما خلعه عليّ التسلط،،، تأكدت من ذلك بالأمس تحديدا عندما اضطررت لزيارة الحلاق، فبعد امتناع عن الذهاب إليه لأزيد من شهر، طال شعر رأسي حتى كاد أن يلامس كاحلي، وبجسم أسمر نحيل صرت أشبه، إلى حد ما، المجاهد الأكبر آية الله "ماوگلي" (قدّس الله ظله على رأي أصحاب الرايات البيض) حتى أن أطفال الحي الذي أسكنه كانوا يرددون بخبث "لاير لاير لاير لا ... ماوگلي ماوگلي" كلما مررت بالقرب من أحدهم!!!


عند نهاية شارع "آيسُلاند سترات" Ijssellandstraat، وعلى طرف مجرى مائي هو المركز الرئيسي لمجموعات طائفية بغيضة من البعوض، تلاحقنا من دون خلق الله لتنال من دمنا الطاهر رشفة أو رشفتين كضريبة مرور كلما أجبرتنا الأقدار على زيارة ذلك الطريق الموحش،،، عند نهاية الشارع حلاق مغربي ظريف، اسمه "بالهاج"، اعتدت الذهاب إليه كباقي المهاجرين العرب والمسلمين الذين يقطنون الحي، وكعادتي دائما أسلمت رأسي لـ "بالهاج" الذي لا يتقن من فن التزيين سوى تسريحة واحدة كان دائما عادلا في تطبيقها على الجميع... لست أدري إن كان "بالهاج" قد درس الحلاقة في مكان ما قبل أن يمارسها هنا، إلا أني أكاد أجزم بأنه تعلمها في مزرعة لتربية الخراف، إذ أن تسريحته الفريدة تشبه إلى درجة كبيرة جز الصوف من خروف بائس! وبما أننا كنا في الغالب شرق أوسطيين معتادين على لعب دور الخراف دائما، هذا إن لم نكن خراف أصلا، لم يكن أحدنا لينطق ببنت شفاه أو ليعترض على عدل "بالهاج" وهو بدوره ما كان ليشرع في جز الشعر من رؤوسنا المينعة قبل أن يسأل ضحيته عن التسريحة التي يحبذها...

ألقيت برأسي طوعا على كرسي "بالهاج" ونظرت في المرآة أمامي وإذا بي أراني وكأني خروف صغير قد وصل مرحلة البلوغ حديثا فصحت لا شعوريا "مااااااء مااااااء" إلا أني كنت محظوظا إذ لم يسمع مأمأتي، أو لعله سمعها وتغاضى!!! شرعت أشرح له، عبثاً، التسريحة التي أود الحصول عليها وهو يجيبني بعد أن أنتهي من كل جملة "واه .. واه"، والتي تعني نعم على ما يبدو باللهجة المغربية،،،

- قصّر الجوانب شوي
- واه .. واه
- وقليل من فوگ
- واه .. واه
- وشوية من گدام بعد
- واه .. واه

كلما أجابني "واه .. واه" ازداد استمتاعي بالحديث معه بالرغم من معرفتي المسبقة من أن أي من تلك الرغبات لن يتحقق أبدا،،، هززت رأسي طربا كراقصة هندية ورحت أضرب الأرض بقدمي اليمنى مع كل مرة يجيبني فيها "واه .. واه" فيما باقي الزبائن، أو الخراف الصغيرة الأخرى المنتظرة جز صوفها، راحت تتمايل وهي مبتسمة سعيدة،،، بدا "بالهاج" مستمتعا بتكرار "واه .. واه" بالقدر الذي أستمتع فيه أنا بسرد رغباتي وبقى حالنا كذلك،،، أنا أطرح رغبة وهو يجيبني "واه .. واه" حتى رفع أحد الخراف كلتا يديه ووقف على رجليه وصاح:

"واه واه ودان وا دانة .. واه واه ودان وا دانة .. واااااااااه أموت بحبك آآآنه"

فيما لا يتعدى الدقيقة ترك "بالهاج" رأسي كجوزة هند متيبسة على قارعة الطريق، ثم أخذ مرآة دائرية صغيرة ليريني رأسي من الخلف وقد أصابها ما يشبه التصحر فيما برزت أذناي كمكبرات صوت منسية على جدار مسجد مهجور أو ربما كأذني فأر معاق، ثم سألني:

- طيبة؟! (يقصد الحلاقة)

فما كان لي إلا أن أجيبه "واه .. واه"

كشأن كل السلطات في بلادي تسألك عما تريد ثم تفعل هي ما تريد، وليس لك عندها إلا أن تمتدح ما فعلته بك إلا أن الفرق بين "بالهاج" وأولئك، انه كان دائما عادلا فيما يفعل بنا.

أما أنتم هناك، في بلاد العجائب، فغنوا معي

"واه واه ودان وا دانة .. واه واه ودان وا دانة .. واااااااااه أموت بحبك آآآنه"

تحياتي،
حسن الخزاعي