Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الثلاثاء، سبتمبر 13، 2005

أنثنة البيئة


تباً لي، يا لي من مخلوق صغير وحقير وغبي كذلك فكم مرة أحتاج لأكتشف بأن القرآءة أمر لا يتناسب والعقل العربي الأمي؟! بعد كل كتاب جديد أحس وكأن ركن من أركان يقيني الثابت قد انهار فأغدو أقرب للإلحاد من ذي قبل،،، كل كتاب يزيدني قلقا وتشككا في كل شيء (ابتداءاً بالدين وليس التاريخ ورجالاته آخرها) إلا أني لم أتخيل يوماً أن أشك في رجولتي فهذه حقيقة ليست لها علاقة بالمعتقدات المتوارثة،،، أو هكذا ظننتها!

أنثنة البيئة كتاب لدبورا كادبوري (Deborah Cadbury: The feminisation of nature) يتحدث عن المظاهر السلوكية المستجدة والسلوك الجنسي لكل من الرجل والمرأة وعلاقته ببعض المتغيرات البيئية كانتشار هرمونات الأنوثة (إستروجين) بسبب التلوث الكيمياوي للبيئة. وتذكر السيدة بعض تلك المظاهر كما في النقاط التالية:

- 80% من ذكور تماسيح بحيرة أبوبكا في فلوريدا تولد بأعضاء تناسلية صغيرة جداً وبنسب عالية من هرمونات الأنوثة!
قلوبنا مع الإناث التي تعاني الحرمان الجنسي بسبب هذه التغيرات الكبيرة.

- أما ذكور طيور النورس فقد تمردت على الإناث وراحت ترفض حضانة البيض كما هي العادة!
أظن بأن هذا هو حقها الشرعي وبأنها ربما ازدادت ذكورة الآن

- أما سمك التروتة فقد "مصخها" فإنه يولد هذه الأيام بخصائص خنثوية أي أنه يمتلك جهاز تناسل ذكري وآخر أنثوي!!!
ولعمرك لست أدري ما الفتاوى التي يجب على هذا المخلوق اتباعها فلا هو بالذكر ولا بالأنثى.

وسردت الباحثة أمورا أخرى تدلل على أنثنة البيئة كزيادة المواليد بخصية واحدة وقلة الخصوبة لدى الرجال... الخ إلا أني بمجرد أن قرأت بعض من تلك الأمور حتى استدعت الذاكرة حكايات من البحرين كنت قد لاحظتها قبل رحيلي عنها، فعند تخوم إحدى القرى شاهدت قطا ذكرا راح يتمايل في مشيه كالإناث ولا يكاد يرى ذكراً آخر حتى ينسدح وينبطح ويخرج أصوات إيروسية مثيرة ويرمقه بنظرات شبقة ويدعوه إلى نفسه!! بل أني تساءلت مرة أخرى عن حال ذلك الحمار الذي سلم نفسه طوعاً للرجل الآسيوي ليطأه فحاله مثيرة للشك هي الأخرى أما عن أحوال الرجال هناك فحدث ولا حرج فمن بناطيل الجينز التي لا تكاد تغطي نصف المؤخرة إلى القمصان الضيقة بل إن أحد الأصدقاء أخبرني بأن الكثير من هؤلاء الخنافس يتنمص ويحف حواجبه ولا ينسى أن يلطخ وجهه بشيء من البودرة أو كريم الأساس قبل خروجه للناس!!

ما إن تركت الكتاب من يدي ودخلت في حالة التفكر المعتادة بعد القراءة حتى ثارت في دواخلي أسئلة سخيفة عن رجولتي أنا شخصيا، فلربما غدوت واحد كأولئك من دون أن أدري خصوصاً وبعد نظرات ذلك العجوز الذي التقيته في القطار قبل يومين!!

انقبض قلبي وأحسست بالأرض تموج تحت قدمي،،، أغمضت عيني برهة علّي أتناسى هذه الأفكار المزعجة إلا أنها ازدادت تركيزاً،،، تذكرت بأني قرأت مرة لباحث لعين اسمه روبرت سابولسكي يدّعي بأن القرود العليا عندما تهاجر من مجموعتها الأصلية إلى مجموعة أخرى تقل عندها نسبة التستيرون... اللعنة،،، أليست القرود أبناء عمومتنا؟! فلابد إذاً بأننا نصاب بالنقص ذاته في هرمونات الذكورة عندما نهاجر وبما أني قد تركت قطيعي الأصلي لأعيش مع الهولنديين الكفرة الفجرة فلربما أكون قد أصبت بشيء من ذلك النقص!!!


أحسست بالاختناق والخوف والاضطراب، خلعت ملابسي ووقفت أمام المرآة أتفقد جسدي لأرى إن كان فيه شيء من الأنوثة لم أجد شيء من ذلك فقد بدا لي ذكوريا بامتياز، هدأ روعي قليلا فذهبت للفراش.

مسيقى مرحة،،، الناس في فرح وبهجة،،، كأنه عرس،،، فجأة توقفت المسيقى لتدق الدفوف،،، أربع نساء مصريات بدينات يغنين "واتمختري يا حلوة يا زينة يا وردة وسط الجنينة" لا بد وأن العروس في طريقها إلى هنا ... لحظات وإذا بالعريسين يشقان طريقها بين الناس ببطء،،، ملامح هذا الرجل ليست غريبة عليّ أبدا،،، كأني أعرفه ... آآآه نعم إنه ذلك العجوز الفسّاء الذي قابلته بالقطار قبل يومين،،، مزيد من العزف والغناء،،، يكاد العريسان يصلان،،، هاهما يجلسان بالقرب من بعضها،،، العجوز اللعين يرفع الطرحة ليكشف عن وجه تلك المرأة التعيسة التي ستغدو من الآن زوجته،،، كأن أذناي قد صمّتا تماما،،، لم أعد أسمع شيئا،،، لم أعد أتنفس حتى،،، كأني أتهاوى إلى مكان سحيق،،، إن العروس أنا وأنا العروس ... "يا فضيحتي .. يا مصيبتي هو دي آخرتها؟!"،،، رحت أصرخ وأصرخ وأصرخ إلى أن أفقت من نومي مفزوعاً وقضيت باقي الليل متسمراً أمام المرآة لأتأكد مرة بعد مرة.

تحياتي،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة