Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الاثنين، فبراير 27، 2006

رابع التابوات



بائس هو كل ما يتطرق له العرب هذه الأيام فلقرون خلت لم ينتج هؤلاء شيء يستحق القراءة بل حتى أن المتثاقفين منهم عندما عرّفوا التابو، أو المحرمات التي لا ينبغي التطرق لها علناً، وتجاسروا على تحديها والخروج على العرف العام، حصروها في ثلاث، هي الدين والسياسة والجنس وفشلوا في تسليط الضوء على بعد رابع ربما يكون أهم من تلكم الثلاثة الماضية، ونحن هنا، وبتواضع شديد، نُعد أنفسنا أول من أماط اللثام عنه وأشار إلى مظلوميته.



يقضي العربي في بيوت الخلاء أكثر مما يقضيه غيره حتى أنه أفرد لها أبوابا في فقهه وسن لها آداباً وبروتوكولات معقدة وأدعية قبل خروج الريح وبعدها وقبل الجلوس في الكنيف وعند الخروج منه وأخرى تحدد القدم التي يُدخل بها إليه والأخرى التي يُخرج بها منه حتى صار الواحد منا يتنطط كالسعادين عندما يهم بدخول الحمام فساعة يرفع رجله اليمنى ثم لا يلبث أن يعيدها ويسحب الأخرى ثم يتلوى على أنغام الأدعية والترنيمات الخاصة بذلك الحدث المهم والخطب الجلل. بالرغم من كل هذا إلا أن أحدهم لم يكلف نفسه عناء التوصيف الدقيق لتلك الفترة الزمنية المنسية من حياة الفرد العربي بالرغم مما تحمله من معان توصيفية دقيقة لحياته وخطابه الذي لا يختلف كثيراً عما يدور داخل بيوت الأدب.


لحظة المخاض تلك، تبدأ بشيء يشبه الألم يحاول الواحد منا تجاهله إلا أنه لحوح لا يلبث أن يعود فيزداد شيئا فشيئا إلى أن يتحول إلى مغص ثم تتلوه تقلصات شديدة تصيب المرأ بما يشبه الشلل فتلتوي أطرافه على بعضها وتعلو وجهه تعابير إكزوتيكية غريبة، يتصبب عرقاً وتتنامى قوة ضغط داخلية إلى أن تصل لحظة الانفجار فيخرج الخطاب العربي مدوياً، وفي أحيان كثيرة ذا رائحة أيضاً، إلا أنه وبعد ثوان ترتخي الأطراف وتهدأ الأعضاء وكأن شيئاً لم يكن وتستمر حالة السكون تلك إلى لحظة مخاض أخرى لتجتر الأحداث ذاتها.



ألم أقل لكم بأن العرب تجاهلوا ما يحدث في كُنفهم حتى عجزوا عن توصيف خطابهم?





تحياتي،
حسن الخزاعي
دبي المحروسة

الأحد، فبراير 19، 2006

كراتشي


كانت عندي رغبة حقيقية لاختراق هذا المجتمع والتعرف على تقاليده وأعرافه إلا أن لغتي الأردية المتردية لم تسعفني على ذلك كثيرا، مع ذلك لم أستسلم لليأس فمنذ أن وطأت بقدميَّ المقدستين على هذه الأرض الطاهرة وأنا عاكف على اقتيات الپان والسموسة وأشياء أخرى صغيرة، مدورة ومكورة، لست أعرف لها اسماً بل ولست أدري مما تُصنع حتى،،، عندما ألوك شيئاً من الپان، وتنبعث مني رائحته العبقة، تتجمع في فمي كمية لا بأس بها من لعاب أحمر جميل ذي طبيعة لزجة، أمضمضه قليلاً ليتخلل المسام الضيقة بين أسناني ثم لا ألبث أطلقه مسرعاً ليستقر على جدار مجاور،،، هنيهات فيسيل منه هيدب رقيق يتهادى بوقار متجهاً صوب الأرض في دليل عملي آخر على قوة الجاذبية الأرضية وإعجازها وإمعاناً في التمويه ربما احتجت لأن أدندن أغنية هندية قديمة مدعياً الاندماج والتأثر بكلماتها وما تحمله من صور بلاغية دقيقة!

رافقني النحس، بطبيعة الحال، إلى كراتشي أيضا إلا ان الاضطرابات هناك لم تمنعن من التوغل في أزقتها العتيقة فملامحي العربية لم تكن لتفضحني بين الباكستانيين فشكلي لم يكن مختلفاً عنهم كثيراً كما أني إلى جانب "أتشا" و"تيكها" أعرف ثلاث أو أربع كلمات أردية أخرى أستخدمها كذخيرة للتمويه عند الحاجة وإذا ما تعقدت الأوضاع أكثر أدعيت بأني أبكم أو بأني مصاب بحالة تخلف عقلي حاد فأفلت بسلاسة من المضايقات.

داخل الحافلات المكتظة بأكوام البشر المحشورين فيها كالتمر المكنوز، أصبت بحالة فقد تام لحاسة الشم فأمام رائحة الأجسام المتعرقة والأفواه الحمراء الممتلئة بالپان وممارسة البعض لحرية التعبير من كل فتحات جسمه دون حدود، أمام كل تلك الروائح العطرة كان أمامي خيارين لا ثالث لها فإما الاستشهاد مختنقاً أو أن تتعطل تلك الحاسة اللعينة فوراً ولحسن حظي شاءت السماء أن يكون خياري هو الأخير،،، لا بد أن أذكر بأن لبس "الجينز" في كراتشي ليس بالفكرة الصائبة أبدا، خصوصاً إذا ما شئت إن تمتطي أحد تلك الحافلات، فذلك السروال الضيق اللعين يثير في البعض رغبة إيروسية غريبة وذات طابع شبق أيضا فلا تجد نفسك إلا وكأنك مغناطيس يجذب إليه الأجسام الأخرى ويثير فيها رغبة في الالتصاق أكثر مما ينبغي وإذا شئت تعقيد الأوضاع أكثر فارتدي عطراً فرنسيا لتجد أحدهم وقد دس أنفه في صدرك وكاد أن يضمك إليه!!! أما إذا وجدت نفسك كما كنت فلا تغتاظ كثيرا وحاول الاستمتاع بوضعك الجديد دون تبرم أو تململ فالرحلة لن تستغرق سوى ساعة أو بعض ساعة...


تحياتي،
حسن الخزاعي
كراتشي المحروسة

الأحد، فبراير 05، 2006

مقاطعة


نشر السيد كارستن يوسته رئيس تحرير يولاندس بوستن الجريدة الدنماركية التي أصبحت واحدة من أشهر الصحف الأوربية في الشرق الأوسط بعد أن لم يكن أحداً قد سمع بها من قبل، نشر رسالة على صدر موقع الصحيفة على الأنترنت ووجهها إلى مسلمي الدنمارك والعالم مفتتحاً إياها بتحية الإسلام، "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، في إشارة لاحترامه لمعتقد مخاطَبيه. الجدير بالذكر أنها لم تكن الرسالة الأولى التي تنشرها الجريدة ففي المرة الأولى لم تكن الرسالة رسالة اعتذار بقدر ما كانت رسالة إيضاحية إلا أن هذه المرة كانت الرسالة رسالة اعتذار من الطراز الأول حيث كرر رئيس التحرير مصطلحات الأسف والاعتذار ست مرات في رسالته ذات الست فقرات.

شخصياً أنسب الفضل إلى نفسي في كل ما حدث وفي نجاح تلك المقاطعة الشاملة للمنتجات الدنماركية وإجبار الصحيفة المذكورة على تقديم اعتذارها، ذلك أني كنت قد نشرت، قبل أيام، أخبار عن كتابي المعنون بـ "الأبقار في سياسة الأمصار" وملحقه الموسوم بـ "دور البقر في إدارة البشر" وحتماً أن الضغط الذي تتعرض له الدنمارك كان نتيجة لمقاطعة أبقارها التي صارت الواحدة منها تنوء بحمل ضرعين ممتلئين حليباً لا حاجة للناس به.

لأول مرة في حياتي أشارك في مقاطعة ما، بعد مقاطعة "البيبسي" الشهيرة إبان الإنتفاضة الشعبية في التسعينيات، والتي أجبرت شركة أحمدي بأن تتبرع بآلاف العلب من ذلك المشروب لمآتم الشيعة في المحرم إلا أن هؤلاء رفضوها حتى مجاناً وأذكر حينها كيف كانت الناس تنظر لمن يتجاهر باحتساء ذلك المشروب المقاطع فقد كان الخروج للشارع بدناني الخمر أخف وطئاً على الناس من رؤيتك حاملاً لعلبة الـ"بيبسي" وأعترف للتاريخ بأني خرقت ذلك الحظر على الـ "بيبسي" أكثر من مرة وبأني كنت أحتسيها خلسة داخل السيارة بعد أن أكون قد لففتها بالقراطيس حتى لا يلتفت إليّ أحد!

حتى أن أمي، أطال الله عمرها الشريف، ظبطتني بالجرم المشهود في إحدى المرات وقد اختليت بنفسي في زاوية خلف المنزل أحتسي البيبسي وأمج سيجارة LM رخيصة الثمن حيث أن ميزانيتي المتواضعة تلك الأيام لم تكن لتسمح لي ببذخ المارليبورو البيضاء أو الحمراء بل أنني في مرات كثيرة كنت ألجأ مضطراً لسيجارة "البيري" الهندية وهي أرخص السجائر ثمناً على الإطلاق إلا أن لها رائحة كالضربان تماماً، تصيبك بحالة هلوسة وتوعك معوي وتقيء فكري يعقبه حول جندري من نوع خاص ومن ثم تطفق تفكر في أشياء غريبة لا ينبغي أن يفكر بها الرجال بتاتاً!!!

عندما شاهدتني وأنا على تلك الحالة صُدمت وصرخت بي والدموع ملء عينيها:
- بعد الجگارة وگلنا أمرنا لله،،، ألحين وصلت فيك المواصيل للبيبسي؟!!!

تحية ود،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة
رسالة كارستن يوسته:

دعوني أولاً أؤكد على أن صحيفتنا يولاندس بوستن تؤمن وتثّمن حرية الإنتماء الديني وتساند الديمقراطية وتحترم كل فرد. نحن نعتذر على سوء التفاهم الكبير الذي حصل حول الرسومات التي شبهت الرسول الكريم محمد (ص) وأدت إلى نمو مشاعر العداء للدنمارك والدنمركيين، بما في ذلك الدعوة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية. وهنا اسمحوا لي بإيضاح بعض النقاط آملاً إزالة سوء الفهم هذا.

قامت صحيفة يولاندس بوستن بتاريخ 30/9/2005 ميلادية بنشر اثنتي عشر صورة للنبي محمد (ص) رسمها رسامون دنماركيون. ومن المهم جداً الإشارة إلى أن هذه الرسومات لم يكن القصد منها النيل من شخص النبي (ص) بتاتاً، أو الحط من قيمته، بل كانت مدخلاً للحوار حول حرية الرأي، التي نعتز بها في بلادنا. ونحن لم ندرك حينها، مدى حساسية المسألة للمسلمين الذين يعيشون في الدنمارك وملايين المسلمين في العالم. كما أن نشر هذه الرسومات لم يتعارض بأي شكل من الأشكال مع القوانين الدنماركية فيما يتعلق بحرية الصحافة وإبداء الرأي.

لكن هذه الرسومات أساءت كما يبدو إلى ملايين المسلمين في كل أنحاء العالم، ولذلك نحن الآن نقوم بتقديم اعتذارنا وأسفنا العميق لما حدث لأن هذا بعيد كل البعد عن قصد الصحيفة، التي سبق لها أن حصلت على جائزة الامتياز من مفوضية الإتحاد الأوروبي، وذلك إثر نشرنا العديد من المقالات في ملحق خاص يدعو للتعايش السلمي، والاحترام المتبادل بين الدنماركيين وكل الأقليات الأخرى في الدنمارك. وهذا الملحق شمل على العديد من المواضيع التي تحلت بالإيجابية عن الإسلام والمسلمين.

والذي حدث فيما بعد هو، أن رسومات (مقصودة) مسيئة للإسلام ونبيه الكريم محمد (ص) نشرت وعرضت في العالم الإسلامي، هذه الرسومات لا تمت إلى صحيفتنا ولا علم لنا بها، ونحن منها براء، لإنها لم تنشر في يوم ما على صفحات يولاندس بوستن. نحن نحرص دوماً ونؤكد على الأخلاق الرفيعة المبنية على أسس احترام المبادئ. لذا فإننا نبدي أسفنا العميق، كون البعض ما زال يعتقد بصلتنا وعلاقتنا بهذه الرسومات المغرضة.

وكي نعود إلى الرسومات الإثنتي عشر والتي نشرت لدينا فإن البعض يعود إلى سوء فهم مبني على اختلافات ثقافية، دون أن نفضل ثقافة على أخرى، قدمت وكأنها حملة شرسة نشنها على المسلمين في الدنمارك والعالم أجمع. هذه الفكرة نرفضها ونشجبها، لأننا نؤمن بحرية الأديان أياً كانت، ونقدس حرية الفرد بممارسة شعائره الدينية، ولم ولا نفكر بالمساس أو الإعتداء على أي ديانة. فإننا نأسف على إساءة فهمنا، ونؤكد أن المقصود لم يكن أبداً النيل من أحد.

وفي محاولة جادة من طرفنا لإزالة سوء التفاهم هذا، عقدنا العديد من الاجتماعات مع ممثلي الجالية الإسلامية في البلاد، وتمت الاجتماعات في جو إيجابي، والحوار كان بناءً. كما أننا نسعى وبكل الطرق لاستكمال روح الترابط والحوار مع المسلمين الدنماركيين.إن رغبتنا أولاً وأخيراً، هنا في الصحيفية، هي التعايش السلمي بين الشعوب، ونتمنى أن تسود روح الحوار، حتى لو اختلفت الآراء.
أخيراً، دعوني، وعلى لسان صحيفية يولاندس بوستن أعلن اعتذاري لما حدث وأعلن استنكاري الشديد لأية خطوة تستهدف النيل من أديان، قوميات أو شعوب معينة. وكل أمل أن أكون بهذا قد أزلت سوء التفاهم وبالله التوفيق.

مع أطيب التمنيات
كارستن يوسته
رئيس تحرير صحيفة يولاندس بوستن