Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الأحد، فبراير 19، 2006

كراتشي


كانت عندي رغبة حقيقية لاختراق هذا المجتمع والتعرف على تقاليده وأعرافه إلا أن لغتي الأردية المتردية لم تسعفني على ذلك كثيرا، مع ذلك لم أستسلم لليأس فمنذ أن وطأت بقدميَّ المقدستين على هذه الأرض الطاهرة وأنا عاكف على اقتيات الپان والسموسة وأشياء أخرى صغيرة، مدورة ومكورة، لست أعرف لها اسماً بل ولست أدري مما تُصنع حتى،،، عندما ألوك شيئاً من الپان، وتنبعث مني رائحته العبقة، تتجمع في فمي كمية لا بأس بها من لعاب أحمر جميل ذي طبيعة لزجة، أمضمضه قليلاً ليتخلل المسام الضيقة بين أسناني ثم لا ألبث أطلقه مسرعاً ليستقر على جدار مجاور،،، هنيهات فيسيل منه هيدب رقيق يتهادى بوقار متجهاً صوب الأرض في دليل عملي آخر على قوة الجاذبية الأرضية وإعجازها وإمعاناً في التمويه ربما احتجت لأن أدندن أغنية هندية قديمة مدعياً الاندماج والتأثر بكلماتها وما تحمله من صور بلاغية دقيقة!

رافقني النحس، بطبيعة الحال، إلى كراتشي أيضا إلا ان الاضطرابات هناك لم تمنعن من التوغل في أزقتها العتيقة فملامحي العربية لم تكن لتفضحني بين الباكستانيين فشكلي لم يكن مختلفاً عنهم كثيراً كما أني إلى جانب "أتشا" و"تيكها" أعرف ثلاث أو أربع كلمات أردية أخرى أستخدمها كذخيرة للتمويه عند الحاجة وإذا ما تعقدت الأوضاع أكثر أدعيت بأني أبكم أو بأني مصاب بحالة تخلف عقلي حاد فأفلت بسلاسة من المضايقات.

داخل الحافلات المكتظة بأكوام البشر المحشورين فيها كالتمر المكنوز، أصبت بحالة فقد تام لحاسة الشم فأمام رائحة الأجسام المتعرقة والأفواه الحمراء الممتلئة بالپان وممارسة البعض لحرية التعبير من كل فتحات جسمه دون حدود، أمام كل تلك الروائح العطرة كان أمامي خيارين لا ثالث لها فإما الاستشهاد مختنقاً أو أن تتعطل تلك الحاسة اللعينة فوراً ولحسن حظي شاءت السماء أن يكون خياري هو الأخير،،، لا بد أن أذكر بأن لبس "الجينز" في كراتشي ليس بالفكرة الصائبة أبدا، خصوصاً إذا ما شئت إن تمتطي أحد تلك الحافلات، فذلك السروال الضيق اللعين يثير في البعض رغبة إيروسية غريبة وذات طابع شبق أيضا فلا تجد نفسك إلا وكأنك مغناطيس يجذب إليه الأجسام الأخرى ويثير فيها رغبة في الالتصاق أكثر مما ينبغي وإذا شئت تعقيد الأوضاع أكثر فارتدي عطراً فرنسيا لتجد أحدهم وقد دس أنفه في صدرك وكاد أن يضمك إليه!!! أما إذا وجدت نفسك كما كنت فلا تغتاظ كثيرا وحاول الاستمتاع بوضعك الجديد دون تبرم أو تململ فالرحلة لن تستغرق سوى ساعة أو بعض ساعة...


تحياتي،
حسن الخزاعي
كراتشي المحروسة