Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الجمعة، يناير 27، 2006

خرفنة العمل السياسي


لم ألتق أبي منذ مدة فكلانا يعمل بالخارج ونادراً ما يتفق جدول أسفاري مع رحلاته،،، وآخر مرة التقيته كان متأزراً بإزار هندي مخطط يشبه إلى حد كبير دفاتر الهندسة التي كنا نستخدمها قديما، كان قد لف رأسه بـ"غترة" بيضاء، كما اليمانيين تماماً، يسحب من ورائه تيس عربي أصيل، يدفعه ويجرجره من خلفه منتهكاً كل حقوقه وممتهناً ما تبقى من كرامته... غلى الدم في عروقي وارتفع إلى أم رأسي مباشرة وأحسست وكأنها - أعني رأسي المباركة - جوزة مطبوخة، فرؤية التيس البائس مستنفراً قواه القومية وممانعاً قيادة الوالد له، لم تكن بالشيء الممكن السكوت عليه،،، أمسكت بتلابيب ذلك الأسير المنحوس وطرحته أرضاً فارتمى الوالد عنده وثبته ثلاثاً معلناً انتصاره الساحق عليه!!! بعد أن انجلت الغبرة والتقطت أنفاسي المبعثرة في كل مكان، سألته عن قصة ذلك التيس وعن سبب شرائه له، فانتفخت أوداجه فجأة وشرع يصف جمل مسجوعة وأبيات مقفاة في سب الحكومة وكل مسئولٍ فيها،،، الوالد أطال الله في عمره لم يبق كلمة نابية إلا واستعارها من قواميس السب البحرانية ليُطّعِم بها جمله تلك غير آبه بالحكومة ولا بأكبر مسئولٍ فيها، فرفع الدعم عن اللحوم وارتفاع أسعارها رفع ضغطه وأصابه بأوجاع لا تطاق في محفظته المنبعجة أصلاً وأبقاه رهينة خوف مرعب من قضاء تقاعده مقتات على الباچة والكراعين.

أعادتني غضبة الوالد تلك وتطاوله على حكومتنا الرشيدة وكل "طويل عمر" تعلمنا تقديسه، أعادتني عضبته تلك عشر سنين للوراء، أيام أحداث التسعينيات المؤسفة (على رواية عقيل سوار ضعيفة السند) أو ما يسمى بالانتفاضة حسب الرواية الشعبية، فتذكرت كيف كان يصاب بخوف عصابي مع انفجار اسطوانة غاز أو عند سماعه طلقة رصاص طائشة فلم أجد بداً من مناكدته وسؤاله عما غير أحواله وأعطاه كل تلك الجرأة في التطاول على المسئولين دون أدنى خوف من مسائلة أو عقاب وهو الذي كان ينهانا عن الحديث في السياسة فضلاً عن الانخراط في ممارستها زاعماً بأن عند الحكومة الرشيدة وسائل تنصت متقدمة تمكنهم من سماع ما يدور داخل البيوت بل ربما حتى ما يختلج داخل الصدور! فأجابني بحكمة رجل كبير بأن الحرية تعطي للحياة معنى آخر ومن يعرفها لا يخشى بعدها شيء أبدا.

القراءة المتأنية للوضع السياسي بالمملكة تشير لوجود علاقة وثيقة بين الحالة السياسية وسوق الخراف وتؤكد بأن لهم - أعني الخراف - دور رئيسي في استقرار الأوضاع الأمنية بالبلاد، ودليلنا على ذلك أن أولى مكرمات عصر الإصلاح الرامية إلى تهدئة النفوس وبناء جسور ثقة بين كل الأطراف، كانت عبارة عن باقة مختارة من الخراف الأسترالية ذات اللحوم البلاستيكية الرائعة مهداة إلى مآتم الشيعة، كما أن آخر المكرمات كانت عبارة عن تراجع الحكومة عن رفع الدعم عن لحوم الخراف حتى لا ترتفع أسعارها بواقع مائة فلس للكيلو،،، عملياً يمكن للبحرينيين اليوم أن يقولوا وبكل ثقة واطمئنان وأريحية بأن "لحم تيوسنا من خيرهم" بعد كل تلك المكرمات،،، لكن الغريب حقاً هو تغافل الحكومة عن الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه الأبقار لو أنها هي الأخرى استغلت كطرف في تلك المعادلة لتدعم دور الخراف، فأنا حاليا عاكف على كتابة مؤلف ضخم تحت عنوان "الأبقار في سياسة الأمصار" سأتبعه بملحق صغير موسوم بـ "دور البقر في إدارة البشر" وأنصح سياسيينا باقتنائه وقراءته ففيه من الفوائد الكثير.
ذلك الثغاء والخوار السياسي يبدو بأن تأثيراته طالت الاقتصاد أيضا، فطيلة الأسبوع الفائت كل ما التقيت أحدهم يصيح بي "إمبـاع؟" حتى اختلطت عليّّ الأمور ولم أعد أفرق بين بشر وبقر وبعد تقصي وبحث دام عدة أيام أخبرني أحدهم عن سوق بيع الجوازات للاكتتاب في بنك الريان القطري فبالبحرينيون وللمرة الأولى في تاريخهم على ما يبدو أحسوا بأن للجواز البحريني قيمة يمكن قبضها نقدا،،، عموماً كان جوابي دائماً كلا، فجوازي "ما إمبـــــــــاع" إن كان أحدكم راغب في شرائه!
تحية ود،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة