Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الاثنين، يوليو 30، 2007

عيب خلقي

كنت أظنني أقلعت عن إدمان الكتابة هذا، غير أن شعوري ذاك لم يكن سوى وهم آخر من جملة أوهام علقت بها مرة وللأبد. قوة جذب/ قوة شد/ قوة قهر وإجبار تضطر المرء للكتابة رغما عنه وفي لحظة فُساء ذفرة تنسرب خارج أطر الوعي والإدراك وساعة انفلات عاطفي وشهوة جامحة لتحطيم الذات، أجدني أرقش الصفحات بالحروف مرة أخرى فأكره نفسي حد اللعنة... ملعونة هذه الصفحات.. ملعونة هذه الحروف.. ملعونة تلك الكلمات والجُمل ومطرود من هوى الآلهة كاتبها.

صه.. صمتا.. لا تفه.. عبثا تحدثني، فأنا أشد صمما من دودة الأرض.. لا تنبس ببنت شفة.. بل ولا تفكر حتى في اقتراف فعل فاضح كذاك البتة... وتذكر دائما بأنك في صحراء بني إسماعيل الذين يكرهون الكلام رغم كونهم أكثر أهل الأرض ثرثرة.

ذرعني الطريق الضيق جيئة وذهابا.. قرأني السباب المرسوم على جدرانه.. تنفسني عطنه.. داستني حبات رمله.. غير أنه لم يتمكن من عبوري بعد.. راوح مكانك أيها الزقاق الطويل فأنا أكثر طولا من أن تعبرني خطواتك.. لا يغرنك أني أطوف بداخلك فأنا الثابت، باق حيث أنا أبدا، وأنت تزول بمجرد عبوري منك أو عبورك خلالي.

لم تفهم شيئا بعد؟ حسنا، ذاك ما عنيته تماما

بحراني ... بحراني جدا ... "خيلي بحراني"* ... أقولها بالفارسية، ذلك أن لها معنى آخر غير النسبة لهذه الأرض المبتلاة بنا كما هو حالها في العربية، فهي في الفارسية تعني "حرج"، فـ "نقطه بحراني" بالفارسية مثلا تقابلها "نقطة حرجة" في العربية و "ناحيه بحراني" تقابلها "منطقة حرجة" وهكذا.

بحراني ... بحراني جدا ... بحراني أنا... حرج أنا... وهل هناك من هو أكثر حراجة مني؟!

ألم تفهم شيئا بعد؟! حسنا، ذاك ما عنيته تماما
عش مغمض العينين فالحقيقة لا تريد أن تراك

دون أن يلقي عليّ تحية، مر بي.. نظر إليّ.. رسم على وجهه منحيات قرف تشي باشمئزاز.. شيء من استصغار وكثير من الاحتقار.. كان كمن داس سهوا عذرة خراء طرية (ربما كانت دبقة لثدة ذات لون بني مضروب بشيء من الشقرة).. قاومت ابتسامة ساخرة كانت متأهبة لاجتياح صفحة وجهي.. ظهر من أثر الابتسامة غمازتين غائرتين.. زممت شفتي بقوة لأخفي أي آثر آخر.. هأهأت قليلا ثم انقلبت هأهأتي قهقهة غير أن قهقهتي تلك مالبثت أن استحالت نهنهة ومهمهة للنفس عن السخرية من خلق السماء.

بعد برهة من تروي ورؤد كثير، كنت قد تمكنت من دحر غزو الضحك الغاشم تقريبا لولا أن مرت بجانبي عجوز طويلة نحيفة كالخيزران تماما.. في ملابس صيف خاكية فضفاضة وقد فردت شعرها الأبيض القصير الأجعد كيفما اتفق.. كانت تشبه لحد ما، عصاة مكنسة من نوع خاص تستخدم لتجفيف الماء، لست أجد لها اسما بالعربية غير أن نساء الحي يطلقون عليها اصطلاحا "أم لخيوط" نسبة لكومة الخيوط المثبتة في رأسها!

نظرة إلى جسدها النحيل منسرق المفاصل ذي السمت الرهيب الذي لا يشتكي من أمت لا تخلو منه امرأة في العادة، وذلك الوجه الممعج وكومة الخيوط الثائرة فوق رأسها، كانت كفيلة بأن تدخلني في حلم يقضة قصير كنت ممسك فيه بساقيها بينما أحملها رأسا على عقب لأجفف بها بلاط المحل.. هنيهة وإذا بي أنفجر ضحكا كمعتوه.. حدجتني العجوز بنظرة ازدراء فازددت ضحكا، بينما استغل هو الفرصة ليتوارى خلف أحد الرفوف.

تركته يذهب إلى حيث شاء، غير أن رأسه المفلطحة أخذتني طوعا صوب رائحة البارود وصوت المفرقعات وروعة المطاردات في ليالي التسعينيات الدافئة.. يومئذ كنت أعد أبرع أقراني في استخدام النباطية (فلاتية على رواية بحراني مضعفة) لحد أني أصبت مؤخرة رأسه عندما كنت أصوب نحو سيارة شرطة الشغب الواقفة على بعد فرسخ منه!


ازبأر شعر جسدي وانخلع قلبي وتسارعت دقاته هلعا مما يكون قد ألم به جراء تلك الرمية.. رفعته عن الأرض.. مسحت العرق عن جبينه.. مسدت رأسه فوجدته طريا لينا لطيف الملمس فأيقنت أني هشمت جمجمته لولا أنه رفع يدي عن رأسه بعصبية، ودون أن يبدو عليه أثرا لإصابة أو ألم، ثم نهرني بلهجة بحرانية قحة، عن لمس مؤخرته مرة أخرى (شيل إيدك عن ..... يالنذل) فانتابني شعور بأن الرجل قد جن أو أن لوثة قد أصابت عقله فاختلطت عليه أجزاء جسده من شدة الضربة.. فمن ذا الذي لمس مؤخرته أو حتى اقترب منها؟!

من يوم ما حدث والرجل يكرهني كرها أعمى لم أكن أعرف سببا له، حتى انتقضى على الحادثة عقدا أو أكثر صار فيه سياسي بارز ورجل مجتمع لامع، فأدركت عندها السبب وعرفت بأنه كباقي سياسيينا ولد بعيب خلقي جعل من مؤخرته في رأسه ليفكر بها كما يفعل باقي زملائه في الكار!


تحية ود،
حسن الخزاعي
المنامة المحروسة
============================
* "خيلي" هذه لا تعني أحصنتي، بل هي مرادف لـ "جدا" في العربية.