Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الاثنين، أبريل 24، 2006

كاماكازي



هذا القلم اللعين يأبى إلا أن يرضع من دمي، يقتات عليّ، يستهلكني، يهضمني ثم يرميني حروفاً بلهاء لا معنى لها في عراء صفحات باردة معلقة في فراغ أفكاري لا يسندها شيء. هو في دهائه كامرأة، تنساق إليك مطواعة حتى تحسب أنك امتلكتها ثم لا تلبث أن تجد نفسك ثور محراث، يجره من ورائه، معتدا بنفسه، يظن أنه يقوده وهو مُقاد لا يملك من أمر نفسه شيئا.

غسلت أمطار الصباح جسد المدينة المدنس بأدران الليل، تثاءب الفجر على أعجازها وأشرقت من بين أضلعها شمس لا زالت تغط في بحيرة من صُهارة نحاس منداحة حتى أقدام السماء... خرجتُ والفجر في أوله، شبح أمشي وسط هالة من دخان أزرق أجر قدمين من رصاص مصمت، جثة هامدة لا يربطها بالحياة سوى الألم... تمنيت لو أن أحدهم يغرس في صدري خنجر ساعتها، تملكتني تلك الرغبة فعلا، أغمضت عيناي وفتحت ذراعاي كجناحي كاسر منكسر، انتظرت الطعنة،،، استقبلتها،،، شعرت ببرودة النصل وهو يخترق جسدي المعذب،،،

داعبت خصلات شعري نسمة هواء لطيفة،،، كشفت عن جبيني وطبعت عليه قبلة وداع ففتحت عينيّ علّه يكون آخر ما أرى، فإذا بعجوز بدينة تهرول نحوي مسرعة وذراعيها مشرعتين هي الأخرى ربما ظنتي فاتح ذراعي لأحتضنها،،، أطلال شعرها الأبيض تتطاير خلفها في هيئة جدنتين خفيفتين مربوطتين بشرائط خضراء،،، ترتج كقربة مليئة بالماء،،، تقترب مني مسرعة،،، تباطأ الزمن،،، رجليها السمينتين تتحركان ببطئ في الهواء وأصوات الأشياء بدت مبهمة تماما،،، لحظات ثم عاد الزمن بالتحرك مرة أخرى،،، سقطت يداي إلى جانبي وكأن الحياة قد فارقتهما فجأة،،، انفلت لساني من فمي وتدلى كفردة نعل مطاطية مهترئة،،، أصيبت عيني بحول قهري،،، رأيت عشر نسخ من تلك الخراءة كل واحدة تقترب مني من جهة مختلفة،،، تبخرت لذة الحلم الذي كنت أعيشه،،، أعتراني خوف لم أشعر بمثله من قبل،،، لملمت ما تبقى مني وأطلقت رجلي للريح،،، لحقتني وهي تصرخ من ورائي "قف ... قف"!

دار قرص الذكريات وأنا أفر هاربا منها، فاجتررت كل ما مر بي في حياتي البئيسة،،، صوتها يحشرج في أذني كصدى ظل ثقيل من بقايا الماضي،،، "قف .. قف"،،، تذكرت لحظتها اغنية المقدمة لبرنامج مروري قديم،،، "قف.. الأمن والسلامة الأمن والسلامة لكل من يستخدم الطريق"!!!

أقسم بكل مقدس بأن لو كان الموت عجوز خرفة بدينة كهذه فإنني لن أتمناه أبدا بعد الآن.


تحية ود،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة