Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الثلاثاء، أبريل 18، 2006

وجع

لست صنيعة الألم وأقسم بكل الآهات الحُبلى بأجنة الرجاء أني أبدا لن أكون،،، أنا الألم ذاته، أنا الوجع كل الوجع بل أنا قلب الوجع الرازح فوق خلاياي النازفة هما سرمديا أبدي... عشر ليال مضين ولم تبرد جهنم التي اشتعلت في رأسي فجأة، نهشت لحمي حتى صرت لا أعرفني، فالحرارة عندما تربض عند تخوم الأربعين وتنبح مستزيدةً، لا تترك في يافوخ المرأ ما يفكر به.

خرجت من المكتب أحبو، أو كذلك هُيأ لي، قاصدا محطة القطارات المجاورة التي تبعد مسافة عشرين دقيقة في العادة إلا أني وبعد أن تقيأت الساعة دقائقها الستين لم أكن قد قطعت نصف تلك المسافة بعد... كل العجائز مروا من هنا، الخرفون، الفساءون والنتنون كلهم جاءوا من خلفي يجرون خطاهم المثقلة بتواريخ متخمة بقصص عشق ومجون، مروا بجانبي، لفحتني رائحة البسكوت القديمة المنبعثة من معاطفهم الصوفية الداكنة، ثم سبقوني فيما أنا لا أزال أخب في وحل أوجاعي دون جدوى...


استبد بي الألم، بدأت الدنيا تمور بي، الأرض تدور من تحتي وكأن جان كان قد تلبسها، الأشجار تلف، البيوت تلف، كل شيء يلف من حولي دون توقف، أقعيت على مؤخرتي وسط الطريق ثم قرفصت كمن سيقضي حاجته في العراء! مرت بي عجوز نحيلة ضئيلة، أرق من نخالة الرز حتى أني وجدت اسم "شلبة" (بشين مكسورة ولام ساكنة) مناسباً لها كثيرا إلا أنه بدا لي مدراً للبول بعض الشيء. توقفت عندي ثم حدجتني بنظرة، وأنا على تلك الحال، وقالت وابتسامة خبيثة مرتسمة على فمها الأدرد:

- نيت خود، ستا أوب ان إير (ليس جيدا، انهض وخذ هذه)

أخرجت من جيب معطفها الزهري، بيضة.. أظنها بيضة عيد فصح كانت،،، مسحت عليها بيدها الجعداء ثم قدمتها إليّ منتصبة بين أصابعها المزمومة... لم أستطع ابتلاع الإهانة، فأخذت البيضة وعيني تقدح شرراً، مددتها إليها منتصبة كما قدمتها إليّ،،، وددت لو أن باستطاعتني أن أفحش لها بالقول،،، هممت أن أقول لها "امسحي عليها ثم احشريها في ......" إلا أني ذا أدب جم يمنعني من أن أتفوه بأشياء كتلك التي كانت تنوس في خاطري لحظتها!

بالرغم من أني لم أنبس ببنت شفة ولم أفصح عما كان يجوب في خاطري ساعتها، إلا أنها بدت وكأنها فطنت لما أعنيه، فابتسمت حتى بان احمرار لثتها الملساء وكررت وهي تحرك رأسها بغنج:

- نيت خود.. نيت خود (ليس جيدا.. ليس جيدا)

ضحكت بفجور، ضحكت أكثر وأكثر ثم استدارت وواصلت طريقها وهي تقهقه دون توقف.


تحية ود،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة