Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الجمعة، مايو 19، 2006

نظرة إلى الذات


الأول:


عالق في طمي أحزاني، ألعق جراحاتي.. ألملم ذاتي.. أتكئ على حروفي وأواصل موتي بعينين مفتوحتين وقلب نابض حتى آخر نفثة دخان.. البارحة، قضيت الليل كله مكتئبا بعد أن اكتشفت حقيقة قبحي اللامتناهي.. أنا الذي كنت أعتقد بأني أكثر الرجال وسامة، ما تخيلت يوما بأني قميء لهذه الدرجة وبأني ربما أقبح حتى من ذلك الفساء اللعين.

لطالما عيرني بشعري الأجعد وادعى بأني أحول وبأن وجهي يشبه إلى حد ما مؤخرة نسناس مصاب بالبواسير، إلا أني لم أصدقه أبدا ولم أكن لألتفت إلا إلى سواد وجهه،، إلى عينيه المتخاصمتين،، إلى أنفه المفلطح وكرشه المتدلية حتى ركبتيه كثدي عجوز هافت.. اللعين ليس في وجهه ما يمكن النظر إليه البتة، فملامحه مختلطة على بعضها كقطعة براز طرية ورأسه صغيرة جدا كزبيبة يابسة.. إلا أني اليوم فقط اكتشفت بأني لست أفضل حالا منه أبدا هذا إن لم تكن حالي أسوء بكثير!

قرفص في زاوية بعيدة،، مج دخان سيكارته بشراهة.. تنهد بحرقة.. أطرق برأسه قليلا ثم أخرج ريحا على استحياء.. حرك جناحي أنفه وكأنه يتحرى شيئا ما.. أخذ نفسا عميقا.. تسللت الرائحة إلى جوفه.. أعجب بها.. بدا سعيدا لوهلة ثم ما لبث أن تذكر همه فعادت ملامح الحزن لتحفر أخاديدها على صفحة وجهه الكريه ثانيةً. عدل من جلسته،، أطلق العنان لمؤخرته وكأنه أراد أن يثبت شيئا هذه المرة،، رفرف بجناحي أنفه.. دخلت الرائحة إلى أعماقه دفعة واحدة دون أن تعطيه فرصة للدفاع عن نفسه.. اختنق.. تصلبت أطرافه.. فقد القدرة على المقاومة.. توقف عن الحركة فجأة ثم ارتمى على الأرض جثة هامدة.

مات ولم يفلتها من يده فقد أصبحت أهم عنده من كل تلك الكتب التي سطرها في مدح نفسه وتسليط الضوء على مزاياه وانتقاد خصمه وفضح نواقصه، فقد عرف اليوم من خلالها أن كل ما كتب عن نفسه لم يكن إلا محض خيال لا يمت إلى الحقيقة بصلة.


الثاني:


اللعنة هل هذا هو شكلي فعلا؟! إذن صدق ذلك الخراء الصغير.. فوجهي فعلا يبدو كإبط عجوز شمطاء، أجعد وحليق.. أنفي مفلطحة كرأس فأر معاق.. رأسي صغيرة وحدود فمي تبدأ من عند أذن لتنتهي عند تخوم الأخرى!

كنت أمشي بين الناس مختالا، كلي ثقة بأني وسيم جدا.. الكل يحدق بي وأنا أظن أنهم مفتونون بحسن مظهري وأفسر نظرات الإستياء على وجوههم بأنا مجردة غيرة وحسد... آآآه كم أنا أحمق

لست أدري بأي وجه ساواجهه غدا فلن أستطيع أن أعيره بعد اليوم فحالي من حاله تماما وكلانا أقبح من الآخر. ربما الأفضل مصالحته فلا فائدة من هذه الحرب القذرة الدائرة بيننا منذ زمن بعيد،، فاليوم نحن أبناء بلدة واحدة وكلانا قبيح وكريه وعبثا نعير بعضنا فذلك لن يغير من حقيقتنا شيئا.

ألقى بظهره إلى الحائط.. ضربها بقبضته.. فكر كم كان الأمر سيكون يسيرا لو أنه التفت إليها منذ البداية بدلا من خوض غمار تلك الحرب القذرة.. اكتأب.. كاد أن يبكي.. فجأة أصبح الهواء في الغرفة ثقيلا.. الحرارة شديدة والرطوبة مرتفعة للغاية.. تنفس بصعوبة.. تفصد جسده عرقا.. تذكر بأنه لم يستحم منذ مدة بل الأحرى بأنه نسي آخر مرة استحم بها.. رفع ذراعه عاليا.. دفن أنفه في إبطه ليشم رائحته.. أصيب بسكتة قلبية ومات!

هو الآخر لم يلقها من يده ورحل وهو ممسك بها.


=================================
في هذا الزمن.. زمن الطائفية البغيضة لا تنفع إلا المرايا لحل الخلافات فلو وزعت المرايا على الطوائف لربما أصبح حالهم كحال صاحبينا تماما،،، فكل طائفة أسوء من الأخرى إلا أنها لم تجد من يهديها مرآة بعد.


تحية ود،
حسن الخزاعي
دبي المحروسة

الأربعاء، مايو 03، 2006

ظلال الألم (قصة ساخر صنعته المأساة)

أي حظ عاثر أغبر هذا الذي رماني في هاته الجثة المقرفة وحكم عليّ بالانتظار داخلها لريثما يتفرغ السيد عزرائيل ويخلّص إضبارة أوراقي المرمية على مكتبه الفاره منذ ثلاث عقود.

أواسط سبعينيات القرن المنصرم أبصرت النور لأول مرة.. ولدت لعائلة فقيرة في بيت حُشرت به ثلاث عوائل تعداد أفرادها معا أربع عشر،،، منزلنا العتيق على أطراف حي رأس الرمان في المنامة القديمة كان بمساحة 12*25 قدما فقط، ولست أدري كيف أمكن لأربعة عشر نفسا أن تُحشر في علبة السردين تلك. في الدور الأرضي كنا نحن، أمي وأنا وإخوتي الثلاثة وجدي وجدتي وفي الدور الأول كان عمي مع زوجته وأولاده الأربعة.

لم تعرف جدران ذلك المنزل لون الطلاء قط وظلت أصابع بنائيه محفورة في الإسمنت على شكل خطوط طولية متموجة كالأفاعي، فيما كان خارجه من الحجر الأبيض. نافذة يتيمة هي التي كانت تطل على الشارع، تلك كانت نافذة الغرفة التي يسكنها جدي العجوز والذي أخلاها لنا بعد سنوات عندما تفرغ عزرائيل من مشاغله وخلص أوراقه التي ظلت تنتظر توقيعه المبارك أكثر من ثمانين عاما قضى آخرها طريح فراشه.

كتلة ظلام مصمتة تلك التي كنا نعيش بها، لا يكاد يقطعها سوى بعض شفرات من ضوء مصباح وحيد معلق وسط المنزل الذي طالما وجدته مرعبا كلما تراقصت ظلالنا العملاقة على جدرانه العارية.. لست أذكر كم مرة نمت خائفا والدموع تغسلني فقد ضيعت الحساب بعد المرة الألف.. بالرغم من أني لم أكن يتيما إلا أني قضيت الطفولة كلها كذلك، فوالدي يعمل خارج البحرين ويرجع لنا كل شهر مرة، عندما يصرف فيها نصف راتبه لشراء تذاكر رحلته تلك والنصف الآخر هدايا بسيطة ربما كان يحاول بها تعويض غيابه المستمر عنا أو لربما كانت من أجله هو لا من أجلنا نحن، فقد كانت فرحته أكبر منا عندما يأخذنا بين ذراعيه ويعطيني تلك الأشياء الصغيرة (تفاصيل صغيرة هي التي لا أذكرها إلا أني أحسبه بكى مرة أو مرتين).. أما باقي أيام الشهر فنقضيها أنا وإخوتي كاليتامى تماما..


كل عذاباتي مسببها واحد تقريبا، هو هذه الذاكرة التي لُعنت بها.. لا يمضي عليّ كثيرا حتى تعود وتصلبني أمام صور مؤلمة يرجع عمرها إلى أكثر من ثمانية وعشرين عاما، ربما لم تكن أسناني اللبنية اكتملت بعد .. صورة أمي التي لم تفتأ تبكي وحدتها كل ليلة، جالسة عند رأسي معتقدة أن أفراخها قد ناموا، ولازلت أسمع صوت أختي الوحيدة وهي تنشب باكية لبكاء أمها، عبثا تحاول كتم أنينها الكئيب الذي لازالت أحس بحرارة سكاكينه تقطع في قلبي.

البيت كان خال من الأثاث تقريبا عدا مناماتنا الإسفنجية ومسندين محشوين بالقطن، لم يكن عندنا هاتف أوتلفاز بل ولا حتى سخان ماء وأذكر تماما كيف كنت أرتعش من البرد في الشتاء تحت صقيع الماء المنصب من الصنبور.. أبكي رافضا الاستحمام وأمي تحاول يائسة إقناعي بأن الأمر سهل وبأن الماء فاتر.. أناملي الصغيرة كانت تزرق ونهر دموعي يضيع وسط صبات الماء المتثلجة من طست معدني هو في الأصل إناء يستخدم لصناعة الحلوى البحرانية ولست أدري كيف أصبح بعد ذلك وعاء ماء للاستحمام.

عندما تكون فقيرا وسط فقراء لا يغدو الأمر مشكلا أبدا، فجل عوائل الحي كانت مثلنا إن لم تكن كلها عدا واحدة أو اثنتين إحداهما عائلة خال أبي المترفة.. لم أسمع يوما أمي تشكو فقرنا أو تتبرم من تلك الحال فنحن كالآخرين ولربما كنا أفضل من كثير منهم..
خمسون فلسا كانت مصروفي اليومي عند خروجي وأخي قاصدين مدرسة الرشيد الابتدائية وسط دهاليز أزقة الحورة، وكان عليّ أن أختار بين قنينة مشروب غازي أو سندويشة رخيصة من تلك التي تباع في مقاصف المدارس ومرات كثيرة كنت أتبادل الأدوار مع أخي الأكبر فأشتري المشروب وهو يتكفل بالسندويشة – أو العكس - ثم نقتسمهما فيما بيننا.
رتم الحياة الممل استمر كما هو حتى تعرضت لذلك الحادث الذي غير نظرتي لهذا العالم تماما، ففي إحدى المرات عند عودتي من المدرسة وقت الظهيرة والشمس القاسية تتلذ بشي أجسادنا الضئيلة، تعرضت لضربة قوية من حمار حساوي ضخم يجر من ورائه عربة عليها براميل كيروسين، كانت الضربة على الرأس مباشرة فأصبت بشيء ما في شبكية العين وفقدت البصر تماما...

يتبع>>>


يومكم سعيد،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة

الاثنين، مايو 01، 2006

جلسة طارئة

شيئان لا حدود لهما، الكون وغباء الإنسان إلا أني لست متيقناً بشأن الأول.

آينستين تقدست أسراره
..............................................
توترت أعصابه وتفصد جبينه عرقا ثم أُصيب بخدر غريب في أطرافه.. فجأة وعلى غير عادته، أخرج سبابته من أنفه، كمن يستل سيف من غمده، ثم دسها بسرعة تحت "شماغه" المسبل على كتفيه.. حك بها ما تبقى من شعر رأسه وتنهد..

لو كان الأمر محصوراً في هذه الحرقة التي يحس بها في مؤخرته لهان الأمر ولتجلد وصبر واحتسب، وله في ذلك أجر كما أخبره مشايخه، وهو على كل حال معتاد على ذلك النوع من الألم الحراق منذ ريعان شبابه عندما أصيب بداء في دبره تداوى عنه بتحاميل لزجة تركته مفرجا بين ساقيه ليومه هذا! إلا أن هذا الامتلاء الكريه الذي ينفخ كرشه المدببة بقوة ويدفع بالغازات المضغوطة داخلها نحو الأسفل لا يمكن السكوت عليه أبدا فهو كفيل بإحداث فضيحة قومية وتشويه سمعة البلد عالميا وربما أساء للصحوة الإسلامية في الداخل والخارج وربما استغله بعض الزنادقة والمنحرفين الصغار للنيل من مكانة طائفته المنصورة بإذن السماء!

قرأ بعض الأدعية والأذكار،،، ابتهل إلى السماء،،، هلل وكبر وكاد أن ينبطح على وجهه ويصلي صلاة الاستسقاء والميت والغائب دفعة واحدة، إلا أن الشيطان الساكن في تلك الغازات يأبى الخروج إلا معها،،، عبثا يحاول التغلب على تلك القوة المندفعة نحو الخارج قهرا،،، يقاوم انفلات عقالها كيلا تفضحه،،، تمانعه،،، يغير من جلسته،،، يقرقر بطنه،،، يكح ويتحمحم كي لا يسمع أحد تلك القرقرة،،، الأعين الفضولية لا تمنحه تلك الفسحة من الوقت التي يحتاجها لتجاوز الأزمة،،، يتظاهر وكأنه يعدل "بشته" فوق كتفيه... يتمنى لو أن يكون ذبابة صغيرة، فهذه اللعينة فساءة محترفة تملأ الأرض فساءاً ولا يلتفت لها أحد.

احتدم النقاش وتعالت الأصوات واشتدت حرارة الجلسة.. الكل يطلب فرصة للكلام ورئيس الجلسة أبلى مطرقته ضربا على تلك الطاولة، عبثا يحاول تهدئة النواب الغاضبين.. الضغط يزداد والمقاومة الباسلة لا تكاد تصمد أمام ذلك المد الغاشم... يرفع يده كما الآخرين مطالبا بفرصة للكلام.. رئيس الجلسة يمنعه.. يصرخ مطالبا بلحظات يشرح فيها حاله.. ينهره ويخبره بأن هناك من طلب الكلام قبله..

- أنت لا تعلم ضرورة ما أود قوله
- اجلس مكانك وانتظر دورك
- لا قدرة لي على الانتظار فالوضع حساس جدا والحاجة ملحة!

انقسم المجلس إلى فسطاطين حسب المذهب كعادتهم دائما.. فرقة تؤيد أن يُعطى فرصة للكلام قبل الآخرين لأهمية ما يريد قوله وأخرى تناكف رافضة وتصر على أن ينتظر دوره كما الآخرين.. صرخ بهم .. هدد وتوعد إلا أنهم أصروا على رأيهم ورئيس الجلسة محتار بين الفريقين..

لحظات صعبة وحاسمة.. ساعة مخاض مؤلمة.. آلام الطلق قد بدأت وليس بيد أحد إيقافها.. تلوى كأفعى مصابة بمغص كريه.. وقف ثم جلس ثم وقف وجلس.. تمرغ على مقعده وكأن به حكة في أماكن لا يمكن الوصول إليها.. بدأ يصدر أصواتا غريبة.. خرج من فمه زبد أبيض.. تأوه وتنهد ثم أنّ أنين يدمي القلوب.. أمر بعض النواب بطست ماء حار فأحوال الرجل لا تطمئن.. وقف فجأة رافعا يده اليمنى ثم أشار بإصبعه نحو السماء.. تأوه بقوة ثم أسمع الحاضرين مقطوعة لم يسمعوا مثلها من قبل!

فر من استطاع الفرار.. ورئيس الجلسة يضرب بمطرقته وهو يصرخ "الله أكبر.. الله أكبر".. بعضهم انخرط في بكاء صعب وعانق من كان بجانبه وآخرين استغشوا ثيابهم طلبا للأمان.. أحدهم أصيب بحالة هستيرية وراح يصرخ "الموت لنانسي عجرم وروبي وعثمان الخميس"!

بعد ساعة أو نحوه أفاق الجميع من تلك الصدمة ثم التأم المجلس مرة أخرى وأجمع أعضاءه، وللمرة الأولى، على اختلاف مذاهبهم ومللهم ونحلهم على أمر واحد هو "أن ما تفضل به النائب المحترم هو خير ما قيل في هذا المجلس منذ إنشائه".

تحية ود،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة