Creative Commons License
شكراً وزارة الإعلام، لست في حاجة لحماية حقوق الطبع.

زرنوق بحراني

هنا حيث تنحشر الأفكار والأحلام والخواطر

الخميس، سبتمبر 29، 2005

الحجاب



درجة حرارتي تشارف على الأربعين وأنا أخط هذه الأسطر الشريفة،،، أحس وكأن حفلة زار تقام في رأسي الآن،،، نزيف الأنف لا يتوقف أبدا وشلال الأفكار قد جف ماءه ونضب،،، كل ما أتمناه الآن حبة أسبرين فقد نفذت الكمية التي اشتريتها أمس الأول،،، كم وددت لو أستطيع أن أخرج للشارع عرياناً عل هذه الحرارة اللعينة تهبط قليلاً،،، تذكرت نجيب محفوظ وهو يقول "هو فيها إيه لو الواحد حب يمشي في الشارع عريان؟!"،،، نعم "هو فيها إيه يعني؟" خصوصاً والقوانين الهولندية لا تمنع ذلك،،، مددت رأسي خارج النافذة لأنفث دخان سيگارتي المارليبورو البيضاء،،، هذه السيگارة الصليبية اللعينة كنت قد تركتها لسنتين كاملتين إلا أنها أغرتني للعودة إليها مؤخراً،،،

الفتيات الهولنديات الفاتنات لا يتقين السماء في أنفسهن ألبتة، فبالرغم من ليل روتردام البارد يخرجن للشارع شبه عاريات ما أثار في نفسي تساؤل حول هذا التناسب العكسي بين حرارة الجو وتغطية الجسد، ففي بلاد النخيل المتصحرة تكاد لا ترى من المرأة شيئاً،،، عباءة وشيلة وحجاب وملفع وبرقع وبطولة وسروال وقميص بأكمام طويلة هذا بالإضافة إلى أشياء أخرى لا أعرف مسمياتها توضع على الساعدين خوفاً من أن ينكشفا إذا ارتفعت أكمام القميص أو العباءة،،، فيما النساء في البلاد الباردة شبه عاريات بل عاريات في أحيان كثيرة!


لا أريد أن أثير حول نفسي زوبعة واتهامات بإنكار ما هو معلوم في الإسلام بالضرورة كالحجاب ولكن الشخصية الملحدة بداخلي تتغلب على تلك المتدينة، القابعة في زوايا النفس تستغفر الإله، كلما قاربت مسألة الحجاب،،، هذا الكافر الزنديق الفاجر لا يكف عن تشكيكي في الحجاب والهدف من ورائه زاعماً بأنه لا يرى سبب وجيها يوجب على المرأة تغطية شعرها،،، أقول له بأن الشعر فتنة،،، فيضحك اللعين قائلاً بأن بعض الوسيمين من الرجال قد يشكل فتنة للنساء فلم لا يتحجب الرجال كذلك؟! بالأمس سرد علي ما قرأه في أحد الكتب مؤخراً من أن حجاب الحرة في الإسلام ليس كحجاب الأمة!!! زعم بأن حجاب الأمة كالرجل تماماً، أي هو تغطية ما بين السرة والركبة فقط بينما حجاب الحرة هو تغطية كل شيء عدا الوجه والكفين بل أن بعض المتشددين يرى وجوب تغطية الوجه أيضا!!! لست أدري ولكن ربما لأن الأمة سوداء، في العادة، والعرب لا يثيرهم اللون الأسود كثيراً لذلك لا يأبهون إن خرجت عليهم بثديين مكشوفين أو ربما اعتبرها أولئك البدو مخلوق أقل إنسانية من نسائهم المصونات!!!


الآية 59 من سورة الأحزاب هي التي فرضت الحجاب (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما)


وإليك بعض ما وجده من أقوال العلماء في بشأن أسباب نزول تلك الآية الكريمة:


( كان فساق أهل المدينة يخرجون بالليل فإذا رأوا المرأة عليها جلبابا قالوا "هذه حرة فكفوا عنها ، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلبابا قالوا : هذه أمة فوثبوا عليها") (ابن كثير: 3/855 ).


( كان نساء النبي يخرجن بالليل لحاجتهن ، وكان الناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين ، فشكوا ذلك ، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا : إنما نفعل ذلك بالإماء فنزلت هذه الآية) ( طبقات ابن سعد : 8/141 ).


(يا أيها النبي قل لأزواجك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن و وجوهن ،ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يتعرض لهن فاسق ) ( تفسير سورة الأحزاب ) وهكذا ( لما كانت الحرة تخرج فتحسب أنها أمة فتؤذى أمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن) ( طبقات ابن سعد : 8/141 )

ويضيف مجاهد يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة) ( تفسير الطبري لسورة الأحزاب).


(و ذلك أدنى أن يعرفن يميزن من الإماء و القينات فلا يؤذين فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن) (تفسير البيضاوي : 4/386)


مهلاً مهلاً فكل هؤلاء من علماء السنة وسيفرح بعض الشيعة المتشددين بذلك إذ أنهم وجدوا صيدا ثمينا لمعايرة السنة به في منتدياتهم والاحتجاج عليهم بصحة المذهب الشيعي،،، ولكن قبل أن يتعجل أحدكم ويفعل ذلك فليقرأ رأي علماء الشيعة في الموضوع:


(ذلك أدنى أن يعرفن) يميزن من الإماء والقينات فلا يؤذين فلا يؤذيهن أهل الريبة) ( الصافي للكاشاني : 5/203)


( ذلك أدنى أن يعرفن ) أنهن حرائر (فلا يؤذين ) يتعرض أهل الريبة لهم كتعرضهم للإماء ) ( تفسير شبر : 1/425).


(كان في الجاهلية تخرج الحرة والأمة مكشوفات يتبعهن أهل الريبة، فأمرهن باجتناب المواضع التي فيها التهم الموجبة للتأذي بالتستر لئلا يحصل الإيذاء الممنوع منه ...فأمر سبحانه بالتجلبب ...ذلك ان أهل الريبة كانوا يمازحون الإماء، وربما كان يتجاوزا لمزاح إلى ممازحة الحرائر، فإذا قيل لهم في ذلك قالوا حسبناهن إماء !! فقطع الله عذرهم ) (مقتنيات الدر للطهراني : 8/325)


( الجلباب : هو خمار المرأة ،وهي المقنعة تغطي جبينها ورأسها إذا خرجت لحاجة ، بخلاف خروج الإماء اللاتي يخرجن مكشوفات الرؤوس والجباه في قول بن عباس ومجاهد، وقال الحسن : الجلابيب : الملا حف تدنيهن المرأة على وجهها وذلك أدنى أن يعرفن من الإماء ومن أهل الريبة فلا يؤذين )( منتخب التبيان للحلي : 2/203).


( تغطية الرأس والوجه اقرب إلى معرفتهن بأنهن حرائر من ذوات العفاف والصلاح فلا يتعرض لهن الفساق من الشباب كما كان منعادة الجاهلية التعرض للإماء ( فلا يؤذين ) أي لا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن كتعرضهن للإماء ) ( الجديد لمحمد السبزواري النجفي : 5/453)


بصراحة أصبت بالصدمة ولم أستطع إجابته،،، فهل حقاً أن سبب فرض الحجاب هو حماية النساء من التحرش كما قال كل أولئك العلماء والمؤرخين من المذهبين،،، إذاً فهل اليوم وبعد أن أصبحت الحمامات موجودة في كل بيت ولا حاجة للنساء للخروج لقضاء الحاجة في العراء ينتفي السبب الذي فرض الحجاب من أجله؟ وهل أن الإسلام لم ميز بين الحرة والعبدة في الحجاب فترك الأخيرة من دون حجاب بل وسمح لها بأن تكشف عن ظهرها وثدييها؟

فهل يسعفني أحدكم بإجابة؟!


لكم خالص الود،

حسن الخزاعي

الأربعاء، سبتمبر 28، 2005

أنا وأنا



أقف أمام المرآة فأراني،،، أتساءل إن كنت حقاً أشبهني،،، أكرهني وأتمنى لو أني لم أكن موجوداً هناك في الضفة الآخرى،،، آآآه كم تمنيت أن أكون هنا،،،، فقط هنا،،، صورة واحدة لا انعكاس لها،،، أو ربما لو كنت هناك،،، فقط هناك،،، انعكاس لا أصل له،،، المهم أن أكون واحد صحيح لا شخصين في جسد واحد...


ذلك الجبان هناك ليس أنا أبدا وإن كنت أنا هو،،، ذلك الرعديد الخواف المنزوي بداخلي عاكفاً على تسبيح إله لا أؤمن به خائف من غضبه طامع في مرضاته،،، يشحت منه نظرة تقيل عثراته التي لا تنتهي،،، يسيطر عليّ مرة وأتغلب عليه مرات إلا أن أحدنا لا يتمكن من هزيمة الآخر،،، أقف أمامه وأصرخ به ليخرج من داخلي، فيدعي بأني أنا الذي يجب أن يخرج منه لا العكس... أضطرب من إجابته تلك،،، يثور بداخلي شك يكاد يقتلني،،، ترى هل أنا الأصل وهو الصورة أم أنه الأصل ولست أنا إلا مجرد صورة؟!

إيقاف مؤقت



سنتوقف عن بث حلاقات المسلسل اليومي "مواعين السيدة" مؤقتاً وسنعاود بثها مرة أخرى مع بداية شهر رمضان المبارك.

لكم الود،

حسن الخزاعي

الثلاثاء، سبتمبر 27، 2005

مواعين السيدة - 4



الحي الفقير بدا كسيحاً مشلول الأطراف ولا حركة فيه ألبتة، فأخبار ثورة الـ "ياو ياو" كانت قد سبقتها إليه،،، السماء مكفهرة بغيوم سوداء قاتمة وثقيلة،،، رياح ذات صفير مرعب تتلاعب بقصاصات الورق المتناثرة هنا وهناك،،، صمت رهيب تتخلله أصوات رضّع تبكي ثم لا تلبث أن تخمد بشكل مفاجئ،،، "رأس رمان" ذلك الحي الصغير المكتظ بأكوام البشر المحشورين فيه كتمر مكتَنز في كيس صغير، ذلك الحي بدا خال من سكانه تماماً،،، هجرته حتى قططه وفئرانه،،، هجره صوته، هجرته روحه،،، هجره كل شيء‍!


تقدمت، ككيس خيش برجلين ويدين، بخطوات بطيئة ولكنها واثقة إلى داخل الحي،،، الصمت لا يزال المتحدث الأوحد وعيون خائفة تسترق النظرات من فتحات الشبابيك،،، أصوات أكف تُصَفق فوق الوجوه وهمهمات بلهجة "رأسرمانية" ترتجف:


- إدخل يالنغل لا تغربلنه


البعض أقام متاريس من أكياس الرمل أمام داره وتحصن داخلها فيما آخرين فروا إلى المنامة والأحياء المجاورة،،، توقفت أمام دكانة "محمد البوسطة"،،، مدت شفتيها الغليظتين كماسورة مجاري نتنة وشفطت كل الخضروات والفواكه،،، "شمسي"، زوجته الإيرانية، صرخت به تستغيث إلا أنه لم يغثها،،، بل ردها عن الصراخ فالوضع لا يحتمل!


ثلاث ليال طويلة و"رأس رمان" مشلولة تماماً والناس أسرى بيوتهم والسيدة تعيث في الحي فساداً،،، لم تبق دكانة إلا والتهمت ما بها بل حتى عربة "الأغتم" الخشبية وتلك الأخرى التابعة لبيت "العم" لم تسلما منها،،، الكل يصلي ويبتهل، الرجال والنساء والأطفال وحتى الزنادقة والخمارين والنسونجية والمجانين يصلون ويبتهلون،،،صلاة الليل غدت فرض واجب كباقي الخمسة الآخرين!!!


رفع بعض الرجال والنساء من بيت "الوادي" المصاحف فوق رؤسهم وخرجوا للشارع بعد أن يئسوا من الفرج،،، تبعهم، في ذلك، آخرون من بيت "أوال" ثم "القلاليف" و"الجد" و"البوسطة" و"بو يلول" و"العرادي"،،، الكل يتجه إلى حيث السيدة في الساحة المقابلة لدكانة "الدرازي".


تحولقوا حولها جثات على ركبهم،،، ظنت بأنهم يبيتون لها شراً وأنهم إنما جاءوا كما جاء "الذواودة"،،، قضبت الجبين وعقدت الحواجب،،، رفعت يديها ثم لفت حولها نفسها اللفة المشهورة، ناظرة في أعينهم بغضب،،، أغمضت عينيها وعصرت نفسها،،، ثم صرخت "ياو ياو"


يتبع >>>


لكم الود،

حسن الخزاعي

روتردام المحروسة

الاثنين، سبتمبر 26، 2005

مواعين السيدة - 3



بعد ذلك الحادث الغامض الذي اختفى على إثره "الملا راشد" ولم يترك أثراً وراءه، تناوب الطيبون من أهل الحي على كفالة السيدة إلا أن أحدهم لم يستطع إبقاءها في كنفه أكثر من يوم أو يومين كحد أقصى وإن كان ميسوراً فلأسبوع لا أكثر، فشراهتها كانت كفيلة بإفلاس أغنى أغنياء البلد فضلاً عن بسطاء حي "الذواودة"،،، وما كان يحدو أهل الحي للتخلص منها بأسرع وقت، واحد تلو الآخر، هو أنها وبالرغم من شراهتها ومن كل الذي تلتهمه، كانت لا تُخرج شيئا، لا سائل ولا جامد، لا شيء أبداً عدا عن أبخرة نتنة تخرجها مرة كل أسبوع، في أيام الجُمع عادةً،،، تلك الرائحة تجعل من رائحة الضربان عطر فرنسي أخاذ إذا ما قورنت بها... كانت وكأن معدتها الجبارة تصهر الطعام حتى يتبخر تماما،،، وهكذا كانت تستلقي على ظهرها وتتمرغ على الفراش وكأن بها شيء من مغص ثم تنقلب على بطنها وتبتسم،،، أهل الدار المساكين يفطنون إلى ما تنوي عليه فيتراكضون كلٌ إلى أقرب مخرج له،،، واحد من الباب وآخر من فتحة النافذة فيما تحاول النساء جاهدات سد فتحة الباب بخرق رطبة،،، الصرخات تتعالى في الحي من كل مكان منبهة إلى الكارثة القادمة،،، أصوات التكبير تنطلق من مأذنة مسجد الحي فيما أحدهم يصرخ "الصلاة جامعة ... الصلاة جامعة"،،، يجتمع أهل الحي في المسجد ويبتهلون،،، يدعون السماء لتنهي تلك المأساة،،، يصلون صلاة الآيات،،، يقرأون كل الكتب المقدسة،،، يدعون السماء لتعجيل ظهور "الملا راشد"،،، يبقون كذلك حتى المساء فلا يرجع "الملا راشد" ولا السماء تستجيب، فلأكثر من عشر سنين والسماء تعطيهم أُذناً صماء، أسبوع تلو الآخر،،، يعودون إلى منازلهم ينتظرون الجمعة القادمة لتعيد المأساة نفسها من جديد!!!

بعد خمس سنوات عذاب أخرى وبعد أن طفح الكيل وزاد الويل، كفر بعض الشباب المتحمس من أبناء حي "الذوادة" بالابتهالات الأسبوعية التي لم تنفعهم في شيء ولم تخلصهم من سطوة السيدة ولا من عذابات أبخرتها الأسبوعية المقرفة، فقرروا العمل على إخراج السيدة بالقوة من الحي مهما كلف الأمر وأقسموا على الالتزام بذلك فيما بينهم.

ذات بعد ظهيرة باردة وكئيبة من أيام كانون الثاني خرجوا بعصيهم وأحاطوا بها بالقرب من خباز الحي وصاحوا بها في صوت واحد:

- برع برع ما نبيچ .. برع برع ما نبيچ

تحمس لهم آخرون وخرجوا معهم فيما يشبه الثورة،،، عشرات الرجال والنساء خرجوا من كل أزقة الحي كلٌ يحدوه أمل للخلاص من عذابات السيدة وأبخرتها،،، هتاف الثورة الوليدة "برع برع ما نبيچ .. برع برع ما نبيچ" أنطلق من كل مكان عدا مآذن المساجد التي التزمت صمتا غريباً واكتفت بمراقبة الثورة بوقار وسكينة.

السيدة وقد أُحيط بها،،، فتحت يديها إلى جانبيها ودارت حول نفسها دورة كاملة تنظر في أعين الثوار الغاضبين الحافين حولها في دائرة واسعة،،، عقدت حاجبيها وبدت حازمة لأبعد حد،،، نزعت من قدمها نعلها المطاطية الخضراء ورجعت إلى الوراء حافية،،، خطوة واحدة فقط،،، نفتت بقوة كثور هائج وضربت الأرض بقدمها،،، فر بعض الهنود الذين تجمعوا لمشاهدة الموقف فيما الخباز الإيراني ترك محله وفر راكضاً حتى القضيبية،،، نفخت كرشها وأغمضت عينيها بقوة،،، عصرت نفسها فخرجت منها صرخة لم يعرف أحد لها معنى لليوم "ياو ياو"،،، عصرت نفسها أكثر وأكثر فثارت من حولها غبرة،،، مع الغبرة رائحة ذفرة أشد من تلك الأسبوعية بكثير،،، القريبون منها خروا صرعى مباشرة بعد الصرخة،،، دائرة الإشعاع الملوث اتسعت حتى شملت كل "الذوادة" و"راس رمان" و"الحورة"،،، انتهت المعركة بانتصار السيدة انتصار باهر على الثوار فيما أطلق على تلك الحركة انتفاضة الـ "ياو ياو" فيما بعد.


مساء يوم المأساة ذاته، تركت السيدة حي "الذواودة"، بالرغم من انتصارها فيه، ودخلت لـ "رأس رمان" للمرة الأولى...


يتبع>>>

الود لكم،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة

الجمعة، سبتمبر 23، 2005

مواعين السيدة - 2



مدت رأسها باتجاه فتحية الملتصقة بالجدار وفتحت جناحي أنفها بالكامل، ساحبةً نفساً عميقا، حتى أيقنت المسكينة بأنها ستنتهي محبوسة داخله بعد أن أحست بقوة الجذب الشديدة التي سحبتها إليه إلا أن السيدة سرعان ما نفثت ريحاً صرصراً عاتية ذات ذفر من مناخرها فصفعتها بالجدار مرة أخرى... ثم قالت في غضب:


- أراويش يالسبالة!


تهديد كذاك كان بالإمكان أن يمر بسلام لو أنها وجهته لشخص آخر غير فتحية، إلا أن هذه العجوز المسكينة تعرف السيدة جيداً منذ ذلك اليوم الأغبر الذي ولدت فيه بزقاق ضيق في حي "الذواودة" المجاور،،، هي واحدة من نساء قليلات في الحي يعرفون حقيقة هذا الوحش الآدمي الكاسر،،، فتحية وظهرها للجدار وقد غطت وجهها بكلتا يديها وهي باكية خوفاً من ما هو آت،،، في حركة بطيئة بدأت ساقها تتراخى شيئاً فشيئاً حتى ارتمت على الأرض متمتمةً بكلمات غير مفهومة.


لم تكن السيدة أقل شراً من الماركيز دي ساد أو فرانكشتين ولا حتى هولاكو إذ أن كل جرائم هؤلاء لم تكن سوى لعب أطفال إذا ما قورنت بما قامت به السيدة... فمنذ لحظة ولادتها البشعة في ذلك الزقاق الضيق المعزول وقد خرجت للحياة ضاحكة على العكس من كل المواليد،،، علا وعلا صوت ضحكاتها المرعبة فقرفصت الأم المسكينة خائفة وأحست بريح باردة تجتاح تضاريس جسدها المرهق،،، صمتت لحظة ثم نظرت إلى أمها بخبث وحركت أرنبة أنفها كأنها تتشمم شيء ما،،، قفزت كعفريت في حضنها والتقفت حلمة ثديها تعب منه حتى تركته كبالون مثقوب ثم تناولت الآخر وفعلت به كالأول وظلت تبادل بينهما طيلة تلك الليلة الباردة الموحشة.


فجر اليوم التالي وُجدت الأم متحنطة كمومياء مصرية، ميتة ومتيبسة فقد امتصت اللعينة كل عصاراتها وتركتها كالقديد،،، ما إن أحست بقدوم أحدهم حتى ابتسمت ثم تصنعت بكاءً مزعجا،،، "ملا راشد الذوادي" كان خارجاً لتوه من المسجد الذي يعمل فيه قيماً،،، سمع بكاءها فتوجه نحو ذلك الزقاق ليجد طفلة بدينة تبكي إلى جانب أمها الميتة!


قصد بها أكثر من عشر مرضعات، قضت ثلاثٌ منهن كحال أمها تماماً فيما الأخريات رفضن إرضاعها منذ أن ألقين عليها النظرة الأولى فقد ازداد وزنها خمس عشر كيلوغراما في الأسبوعين الأولين فقط وكانت بطول طفل في الثامنة، ما كان يصيب المرضعات بالذعر كما أن ابتسامتها الصفراء ونظرة عينيها الضيقتين كانت كفيلة بشل أي إنسان ينظر إليها.. انتهى به الأمر يشتري لها عنزة كل أسبوع ترضع منها حتى تهلك فيشتري أخرى،،، ظل حاله كذلك لأسابيع عدة وكان قد أشار عليه بعض أهالي الحي بالتخلص منها بعد أن شارف على الإفلاس إلا أنه كان ينهرهم ويقول بأنها طفلة يتيمة من واجبه رعايتها لا التخلص منها.


في ليلة حارة من ليالي حزيران خرج "ملا راشد" ليجدها تحبو قبالة غرفته،،، كان متأزراً وعاري الصدر،،، ابتسم لها ولاطفها إلا أنها نظرت نظرة غريبة إلى حلمة صدره السمراء فاقشعر بدنه وفر هارباً بعد أن فطن لما اعتزمت عليه ومن يومها لم يسمع أحدهم خبر عنه!


يتبع >>>


لكم الود،

حسن الخزاعي

روتردام المحروسة

الخميس، سبتمبر 22، 2005

مواعين السيدة - 1



ألقت بمؤخرتها الممتلئة على الأرض فاهتزت اهتزازتين، الواحدة منهما كانت بمقدار 8 درجات على مقياس الكافر ريختر ثم تبعتها ثلاث اهتزازات ارتدادية أخرى أقل حدة... تربّعت فاحتلت نصف قاعة المنزل تقريباً،،، شهقت شهقة عميقة فتطايرت الكتب والدفاتر والأوراق مسرعة نحوها بل إن كل شيء على رف ذلك المكتب القديم المقابل لها كان قد تحرك من مكانه أو اهتز،،، سحبت نفساً آخر فانتفخت كرشها المدببة كبالون ضخم،،، لازالت تسحب ذلك النفس،،، كرشها تتنتفخ أكثر وأكثر،،، تكاد تملأ المكان بالكامل،،، لم يبق شيء من أكسجين أو نيتروجين في ذلك البيت إلا وعبته في جوفها،،، كل الغبار الموجود في المنزل وجد له مكاناً في أنفها الضخم،،، أطبقت عينيها الضيقتين وعطست،،، في حركة ارتدادية عنيفة عادت كل تلك الكتب والدفاتر والأوراق لتنفجر متناثرة في كل مكان، الغبار تطاير بعنف، أصحاب المنزل تناثروا على الأرض فيما أحدهم وجد له مكاناً ليتدلى خارج المنزل من فتحة النافذة،،، مسحت خيط المخاط الشفاف بيدها اليسرى ثم رفعت يدها لتنظر إليه فابتسمت حتى كشفت عن أسنانها الذهبية ثم مسحته في عباءتها وهي تقول:

- وين المواعين؟!

فتحية، وبعد أن التصقت بالجدار كسحلية مضطربة خوفاً من أن تعطس السيدة عطسة أخرى، أعادت ربط الشريطة الخضراء على طرف جدلتها القصيرة ذات الشعر الأشيب الخفيف وأجابتها مرعوبة:

- أي مواعين؟!

قضّبت السيدة جبينها وعقدت حاجبيها كجناحي نورس معاق،،، تقوس فمها للأسفل ومدت شفتيها الغليظتين بمقدار قدم أو إثنتين حتى بدا فكها الأسفل وكأنه سيسقط، وقالت بلهجة "رأس رمانية" قُحة:

- مُواعيني اللي يبت لش فيهم هُريسة ومحلبية، اُرمُضان اللي راح!!

فتحية وكأن تيارٌ كهربائي عالي الجهد قد سرى في جسدها النحيل، اضطربت وارتعدت ثم أجابت متأتأةً بأنها لا تذكر أين أودعت ذلك الصحن القديم المتثلم الذي ملأته السيدة هريسة باردة ماسخة ذات رائحة كريهة وكأنها صنعت من لحم فئران، ولا حتى شيئا عن طاسة المهلبية الخضراء ذات علامة S الحمراء المميزة التي تختم بها السيدة أسفل أطباقها عادةً!

بدا الغضب واضح على محياها،،، تمايلت على جانبيها وكأنها طبّالة إفريقية سوداء في حفلة غنائية راقصة كتلك التي يحييها "بيت الفيروز" على طرف الحي،،، ارتكزت بيدها على فخذها الضخم وقامت مستندة إلى الجدار،،، فتحية التصقت بالجدار أكثر وفرائصها ترتعد وأسنانها تصطك خوفاً مما ستقدم عليه السيدة بعد ضياع مواعينها... اقتربت منها حتى كادت تلتصق بها تماما،،، كفريسة صغيرة أمام وحش كاسر لا يرحم، وجدت فتحية وجهها في قبالة ثديي السيدة الضخمين والمتدليين حتى ركبتهيا وقد تحركا حركة بندولية بفعل ثورة الغضب التي انتابتها! رائحتها لم تكن أفضل من رائحة هريستها المعروفة بين نساء الحي، حتى أن فتحية كادت ترتجل رائعة محمد عبدالوهاب "المية تروي العطشان" حتى قوله "صدقني خذ لك حمام"!!

يتبع >>>

تحياتي،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة

الثلاثاء، سبتمبر 20، 2005

يقتلني الشك

الجوع، هذا الكافر الملحد، يجعل الأفكار تعتمل في رأسي،،، أستل من جيبي سيگارة وأمجها حتى أحس بأني دخانها المتصاعد، بأني أطير، أتلاشى، أختفي إلا أن الأفكار اللعينة لازالت تنبح في رأسي وأسئلة سجّيلية ثقيلة تنهال من فوقها دون انقطاع.

أي بله هذا الذي جعلني أتوهم بأن السيگارة تطفيء حريق الأفكار؟! تباً، إنما هي تركز الإنسان في نصفه الأعلى، نصفه الأعلى فقط، بينما تشل الآخر تماما،،، ذاك الذي ينسيك همك أبدا، تقتله مؤقتاً لتبقي جمرة رأسك مشتعلة! أبقتني البارحة ساعات طويلة أخب في وحل أفكاري، عبثاً أحاول الهرب منها فتشدني إليها بقوة وترميني في النقطة التي بدأت منها هربي.

الشك، ثعابين سامة، تتسلل إلى نفسي خلسة، تحيط بي، تعصرني وتغرس أنيابها لتصب عصارة سمها الذي يذيب اليقين ويصهر الثوابت،،، ما عدت أحتمل فلست بحاوي ولم أتعلم ترويض الثعابين من قبل... الشك والكفر صنوان وأنا شكاك ملعون فلا بد وأني أصبحت كافر مأفون،،، إلا أن الشك فيما بين أيدينا من دين مسألة والشك في قرارت عيسى قاسم مسألة أخرى؟!

وعجبي،
حسن الخزاعي

الجمعة، سبتمبر 16، 2005

الحور مرة أخرى



كثيرا ما كنت أقول بأن أعيش ثوراً في هولندا متمتعا بصحة جيدة وبصحبة بقرات هولنديات سمان شهيات ذوات ضروع ناهضة وقدود غضة،،، متمرغاً في ربوع خضراء على امتداد البصر، خير من أن أعيش إنسان ممتهن الكرامة مسلوب الإرادة على أرض عربية يابسة بائسة - وربما خائسة أيضا - كل ما فيها طارد للحياة ابتداءاً بحرارة الجو والرطوبة المقرفتين مرورا بأوضاعنا السياسية المحبطة وليس انتهاءاً بالفقر والبطالة وتسلط الإسلامويين وتحريمهم كل متع الحياة علينا!

نعم، أن تعيش كما الأبقار في أوربا، التي تدلل أبقارها كقلة قليلة من الناس، خير لك من حياة البشر في بلاد النخيل،،، وسط ذلك المرج الأخضر المترامي الأطراف وعلى تخوم برك الماء العذبة تلتفت لبقرتك الجميلة فتنظر إليها بود وبعد خوار ورغاء تمد لها رقبتك وتتنهد ثم تقول:

- "الماء والخضرة والوجه الحسن" بعد وش أبغي أزيد من چذيه؟!

ازددت يقينا بنظريتي هذه بعد أن قرأت على موقع أنانوفا بأن الدنماركيين سيوفرون جنس مجاني للمعاقين، ولكن لمرة واحدة في الشهر فقط، بينما في بلاد النخيل يحرمون الجنس حتى على المتزوجين فضلا عن العزاب والمعاقين ما يدفع الشباب المتدين لتشهي الحور العين والمسارعة لتفجير نفسه في أي شيء حتى يحظى بساعة مدفوعة الأجر مع إحداهن!!!


على موقع إلكتروني اسمه "صيد الفوائد" قرأت بحث لأحد هؤلاء المتدينيين يقول فيه ما نصه:

فلنتخيل الحور العين ولنتخيل عناقهن وقبلتهن وجماعهن بدلا عن أي خيال جنسي آخر وسيشعر بالفرق حتما وسيلاحظ لا شعوريا أنه قد بدأ محاولات الإطاحة بهن والشوق لعمل علاقة مع واحدة منهن ولا بأس في ذلك إذا كان الطريق إليه في العودة إلى الله

أي سخافة هذه وأي عقل بليد مليء بخيالات الجنس والحياة الإيروسية الأبدية وأي كبت جنسي هذا الذي يصور لصاحبه بأن الجنة ليست إلا ماخور حيث دنان الخمر مهيأة على الأبواب وفتيات مثيرات للشهوات الحيوانية منسدحات على بطونهن بملابس خليعة ينتظرنه ليمارس فحولته؟!!

هنا يدعون شعوبهم للحياة في الدنيا ويوفرون لهم كل ما يكفل للإنسان حياة كريمة وهناك يمنوننا بالحور العين والخمور في جنة النعيم وكل لذة مؤجلة حتى العالم الآخر الذي لا بد وأن تسرع إليه بجسد محترق ولحم متناثر ولابأس أن تأخذ معك في رحلتك تلك عشرات الأرواح البريئة التي لازالت تشتهي الدنيا!

تحياتي،
حسن الخزاعي

الخميس، سبتمبر 15، 2005

السلفية والانشداد الآستيكي للماضي

من المخجل حقاً أن لا يجد القلم ما يستثير فيه شهوة للكتابة فيغدو رخواً ليناً لا يقو على الوقوف لمناهضة باطل أو نصرة حق! بل إن الخوف ليطغى على الخجل إذا ما ساورنا شك بأن يراعنا، الذي كان يوماً منتفخ الأوداج نابض العروق، لربما كان قد فقد ما تمتع به من شبق لمواقعة الورق. ولكن، أي شيء هذا الذي يستثير فيه شهوة، من أي نوع، في ظل واقع مأزوم بقرف الاستقطابات الطائفية وتفشي الحركات الإرهابية وتشظي الحركات السياسية وإسهال المسيرات وحمى التسقيط وإرهاب الفكر والكلمة؟!

عفواً فلست في وارد ضحك أو إضحاك، فدنياكم هذه غدت مملة مقرفة لا تساوي عندي عفطة دجاجة مصابة بإسهال قهري أو سلس لا إرادي والتهابات بكتيرية حادة بين الفخذين!

بالأمس وبعد انقطاع دام أسابيع عدة عن التعاطي مع الشأن المحلي أطللت إطلالة سريعة على الحالة العامة للبلاد والعباد فوجدت السلفيين أكثر السياسيين بعثاً للأمل، فهؤلاء ببشوتهم السوداء وأكراشهم المنتفخة ولحاهم الطويلة وثيابهم القصيرة أقدر على رسم الابتسامة على شفتي من أصحاب الشوارب الغليظة واللحلى الحليقة بل حتى ومن أصحاب الخدود الناعمة والقدود المياسة. هؤلاء المتدينون لا يرون فيّ أكثر من واحد من أولئك النفر الغير قليلين الذين سيشوي الله خصيهم في نار جهنم حتى تفرقع كـما "الحمبصيص" وأنا لا أرى فيهم أكثر من فقاعات تطير عاليا وتنفجر ليطير غيرها وينفجر وهكذا دواليك، في عملية انتفاخ وتفجر مستمرة ما استمر هؤلاء! ثم إنك، عفا الله عنك، كيف لك أن تأمل خيراً في كائن محدب لا تعرف ظهره من كرشه ولا رأسه من أسته (بل لا أظنه هو نفسه يدرك الفرق بين شعر العانة ولحيته الملآنة)؟! كيف لك أن ترهن مستقبلك لكائنات تطير عالياً حتى إذا وصلت السقف سقطت على ظهرها وظلت منافحة دون ذلك حتى تهلك؟! وهذه الظاهرة الأخيرة تذكرني بحشرة سوداء مملة مقرفة، فاجرة عاهرة تمارس مجونها علنا دون خجل أو حياء ولا أظنها إلا عميلة لجهة مخابراتية أجنبية أو مدعومة من لوبيات طائفية أو على أقل التقادير استلمت يوما ما كوبانات نفط صدامية، اندست في غرفتي منذ مدة ولا هم لها إلا مباغتتي بهجمات جبانة كلما رأتني نائماً متجاهلة من أكون وضاربة بمقامي الفكري والديني عرض الحائط.

أما على الصعيد الدولي فيبقى السلفيون، بشقيهم التكفيري والتبريري، أكثر أمم الأرض سخافة وإثارة للقرف والبكاء والضحك في آن واحد، فأبكي دماً لأفعال التكفيرين الإجرامية في العراق والسعودية وغيرهما وأعود لأنتهي ضاحكا من تهافت تبريراتهم وسذاجتها... أمة رمت بعقلها في مزابل التاريخ وخرجت على الناس برؤوس خاوية خالية من أي شيء عدا بعض فتاوى متخلفة لابن تيمية وشلة العوران السائرين على خطاه المتطرفة،،، قلوب لا يملؤها إلا الحقد وكراهية الآخر والسعي لتطهير الأرض منه،،، نفوس بغيظة يحركها شبق مكبوت وكراهية ظاهرة!!!

كل شيء في هؤلاء يشدهم شد الحبال المطاطية للماضي (آستيك بلغة البحارنة المرتدين والمأخوذة من لغة الصليبيين الكفرة) فلا يستطيعون الخروج منه ولا النظر للمستقبل كباقي خلق السماء، ابتداءاً من أسمائهم الغريبة (أبو مصعب، أبو حمزة، أبو قتادة وأبو جرادة وأبو گرادة وغيرهم) مرورا بملابسهم الشاذة والتي تشبه إلى حد ما تنانير "الكيلت" الأسكوتلاندية، وطبعا لا يفوتنا الإشارة إلى أن لهذه الملابس السلفية خاصية تناسب عكسية مع طول اللحية، فإذا قصرت الثوب تطول اللحية وكلما اشتد إيمان أحدهم بتلك الخرافات زاد طول لحيته وبالتالي قصر، وبالمقدار ذاته، طول ثوبه!!! (نظرية "التناسب العكسي السلفية" هذه، لم يتوصل لها حتى نيوتن في زماناته غير أن الكل يعلم بأن كل ما في هؤلاء متناسب تناسبا عكسيا مع الحياة ذاتها)

انشدادهم الغريب نحو تاريخ المسلمين الأسود (أو لعلي أصفه بالأحمر لكثرة ما أراقه هؤلاء السفاحين من دماء بريئة في كل أرض دنستها أقدامهم)، انشدادهم الغريب نحو تلك الأزمنة الغابرة جعلهم يصدرون الأحكام حتى على أهلها الذين ذابت عظامهم ولم يتبق منها شيئا،،، فيخرج عليك أحد النواب الأفاضل بتكفير الدلمونيين (ثم لا يستحي أن يزعم بأنه ليس من التكفيرين) ويدعو إلى هدم قبورهم وتشييد مبان سكنية فوقها!!! بالله عليك لو حكم هؤلاء الجهلة بلد كمصر فمالذي سيفعلونه بآثارها خصوصا والفراعنة كفرة ملحدين على حد زعم هؤلاء؟! أحسب أن نائبنا السلفي، الذي أفتى بكفر الدلمونيين، ستتفتق عبقريته عن مشاريع بناء ناطحات سحاب فوق الإهرامات لإسكان فقراء المسلمين أو لربما يحول الكرنك لمدينة سكنية فيما وادي الملوك يبنى فوقه مصلى للعيد وآخر للتراويح على وادي الملكات!

السعودية ربما بها من الآثر أكثر من أي قطر عربي آخر، فمن مدائن صالح إلى خيبر (التي لا تزال بحالة ممتازة) وليس انتهاءاً بعشرات القلاع المنتثرة على الخارطة السعودية، إلا أننا لا نسمع شيء عنها وأحسب السعوديين أنفسهم لا يعرفون شيئا عن تلك الآثار الإنسانية القيمة ولم يزوروها يوماً في حياتهم ولا أحسبهم سيفعلون،،، كل هذا لأن شيخ سلفي ضرير أو بنصف عين كغالبيتهم أفتى بأن أهل تلك الأمم كفرة وليس للمسلم أن يسافر بقصد مشاهدة تلك الأحجار!

أظنني سأكتب أكثر مما يستطيع القارئ قراءته لو أني استرسلت في الحديث عن هذا الفكر المتخلف لذا سأكتفي بهذا القدر.

تحياتي،
حسن الخزاعي

الثلاثاء، سبتمبر 13، 2005

أنثنة البيئة


تباً لي، يا لي من مخلوق صغير وحقير وغبي كذلك فكم مرة أحتاج لأكتشف بأن القرآءة أمر لا يتناسب والعقل العربي الأمي؟! بعد كل كتاب جديد أحس وكأن ركن من أركان يقيني الثابت قد انهار فأغدو أقرب للإلحاد من ذي قبل،،، كل كتاب يزيدني قلقا وتشككا في كل شيء (ابتداءاً بالدين وليس التاريخ ورجالاته آخرها) إلا أني لم أتخيل يوماً أن أشك في رجولتي فهذه حقيقة ليست لها علاقة بالمعتقدات المتوارثة،،، أو هكذا ظننتها!

أنثنة البيئة كتاب لدبورا كادبوري (Deborah Cadbury: The feminisation of nature) يتحدث عن المظاهر السلوكية المستجدة والسلوك الجنسي لكل من الرجل والمرأة وعلاقته ببعض المتغيرات البيئية كانتشار هرمونات الأنوثة (إستروجين) بسبب التلوث الكيمياوي للبيئة. وتذكر السيدة بعض تلك المظاهر كما في النقاط التالية:

- 80% من ذكور تماسيح بحيرة أبوبكا في فلوريدا تولد بأعضاء تناسلية صغيرة جداً وبنسب عالية من هرمونات الأنوثة!
قلوبنا مع الإناث التي تعاني الحرمان الجنسي بسبب هذه التغيرات الكبيرة.

- أما ذكور طيور النورس فقد تمردت على الإناث وراحت ترفض حضانة البيض كما هي العادة!
أظن بأن هذا هو حقها الشرعي وبأنها ربما ازدادت ذكورة الآن

- أما سمك التروتة فقد "مصخها" فإنه يولد هذه الأيام بخصائص خنثوية أي أنه يمتلك جهاز تناسل ذكري وآخر أنثوي!!!
ولعمرك لست أدري ما الفتاوى التي يجب على هذا المخلوق اتباعها فلا هو بالذكر ولا بالأنثى.

وسردت الباحثة أمورا أخرى تدلل على أنثنة البيئة كزيادة المواليد بخصية واحدة وقلة الخصوبة لدى الرجال... الخ إلا أني بمجرد أن قرأت بعض من تلك الأمور حتى استدعت الذاكرة حكايات من البحرين كنت قد لاحظتها قبل رحيلي عنها، فعند تخوم إحدى القرى شاهدت قطا ذكرا راح يتمايل في مشيه كالإناث ولا يكاد يرى ذكراً آخر حتى ينسدح وينبطح ويخرج أصوات إيروسية مثيرة ويرمقه بنظرات شبقة ويدعوه إلى نفسه!! بل أني تساءلت مرة أخرى عن حال ذلك الحمار الذي سلم نفسه طوعاً للرجل الآسيوي ليطأه فحاله مثيرة للشك هي الأخرى أما عن أحوال الرجال هناك فحدث ولا حرج فمن بناطيل الجينز التي لا تكاد تغطي نصف المؤخرة إلى القمصان الضيقة بل إن أحد الأصدقاء أخبرني بأن الكثير من هؤلاء الخنافس يتنمص ويحف حواجبه ولا ينسى أن يلطخ وجهه بشيء من البودرة أو كريم الأساس قبل خروجه للناس!!

ما إن تركت الكتاب من يدي ودخلت في حالة التفكر المعتادة بعد القراءة حتى ثارت في دواخلي أسئلة سخيفة عن رجولتي أنا شخصيا، فلربما غدوت واحد كأولئك من دون أن أدري خصوصاً وبعد نظرات ذلك العجوز الذي التقيته في القطار قبل يومين!!

انقبض قلبي وأحسست بالأرض تموج تحت قدمي،،، أغمضت عيني برهة علّي أتناسى هذه الأفكار المزعجة إلا أنها ازدادت تركيزاً،،، تذكرت بأني قرأت مرة لباحث لعين اسمه روبرت سابولسكي يدّعي بأن القرود العليا عندما تهاجر من مجموعتها الأصلية إلى مجموعة أخرى تقل عندها نسبة التستيرون... اللعنة،،، أليست القرود أبناء عمومتنا؟! فلابد إذاً بأننا نصاب بالنقص ذاته في هرمونات الذكورة عندما نهاجر وبما أني قد تركت قطيعي الأصلي لأعيش مع الهولنديين الكفرة الفجرة فلربما أكون قد أصبت بشيء من ذلك النقص!!!


أحسست بالاختناق والخوف والاضطراب، خلعت ملابسي ووقفت أمام المرآة أتفقد جسدي لأرى إن كان فيه شيء من الأنوثة لم أجد شيء من ذلك فقد بدا لي ذكوريا بامتياز، هدأ روعي قليلا فذهبت للفراش.

مسيقى مرحة،،، الناس في فرح وبهجة،،، كأنه عرس،،، فجأة توقفت المسيقى لتدق الدفوف،،، أربع نساء مصريات بدينات يغنين "واتمختري يا حلوة يا زينة يا وردة وسط الجنينة" لا بد وأن العروس في طريقها إلى هنا ... لحظات وإذا بالعريسين يشقان طريقها بين الناس ببطء،،، ملامح هذا الرجل ليست غريبة عليّ أبدا،،، كأني أعرفه ... آآآه نعم إنه ذلك العجوز الفسّاء الذي قابلته بالقطار قبل يومين،،، مزيد من العزف والغناء،،، يكاد العريسان يصلان،،، هاهما يجلسان بالقرب من بعضها،،، العجوز اللعين يرفع الطرحة ليكشف عن وجه تلك المرأة التعيسة التي ستغدو من الآن زوجته،،، كأن أذناي قد صمّتا تماما،،، لم أعد أسمع شيئا،،، لم أعد أتنفس حتى،،، كأني أتهاوى إلى مكان سحيق،،، إن العروس أنا وأنا العروس ... "يا فضيحتي .. يا مصيبتي هو دي آخرتها؟!"،،، رحت أصرخ وأصرخ وأصرخ إلى أن أفقت من نومي مفزوعاً وقضيت باقي الليل متسمراً أمام المرآة لأتأكد مرة بعد مرة.

تحياتي،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة

الكعبة لنا



ترددت كثيرا قبل أن أكتب دفاعاً عن خزاعة المسكينة التي ألصق بها العرب زورا وبهتانا (كعادتهم دائما) بيع الكعبة بـ "بُطل" خمر إلا أن واجب النداء القبلي المقدس يدعوني للرد على الافتراءات وتزوير التاريخ ومحاولة التلاعب بأحداثه وتلميع شخصياته وإظهارها بمظهر بطولي كاذب.

يروي العرب بأن "جُرهم" كانت قد استلمت سدانة الكعبة بعد موت "نبت" بنت نبي الله إسماعيل ثم ما لبثت أن خسرتها لصالح خزاعة التي هزمت جرهم شر هزيمة ولعب بها "الشوتحة" (لاحد يسألني يعني وش الشوتحة لأني بصراحة ما أدري) واستولت على الكعبة منهم بالقوة وطردتهم منها طريدة الطراروة

فلمـــــا هبطنــا بطــن مكة أحـمدت *** خزاعــة دار الآكــل المتحــامل

فحــــلت أكاريســـا وشــتت قنـابـلا *** عـلى كـل حـي بيـن نجد وساحل

نفـوا جرهمـا عن بطن مكة واحتبوا ***  بعــز خــزاعي شـديد الكـواهل


ثم جاء عمرو بن لحي، شيخ خزاعة إذ ذاك، بهبل من الشام إلى الكعبة كما ذكر ابن هشام* وعمرو بن لحي هذا هو أول من لبى بالتلبية المشهورة قبل الإسلام:

"لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك" حسب ما جاء في سيرة ابن اسحاق**

يعني عمرو المسكين كان مبدعا رغم كل ما أشيع عنه، فليس لعقل متواضع أن يبتدع تلبية قوية كتلك إلا أن العرب، سامحتهم السماء، يملأ قلوبهم الحقد والغيرة من المبدعين ثم إن عمرو كان كريما كرما خزاعيا لا مثيل له فقد ذكر الأزرقي بأنه:

"ذبح أيام الحجيج عشرة آلاف بدنة وكسى عشرة آلاف حلة في كل سنة يطعم العرب ويحيس لهم الحيس بالسمن والعسل"

"حيس بالسمن والعسل"، هذا مثل الميلك شيك في أيامنا هذه، فتصور عزيزي القارئ أن يوزع أحدهم ميلك شيك مجاناً على الحجيج بالإضافة إلى ملابس من أرقى بيوت الأزياء العالمية،،، تصور عند ذهابك للحج تُعطى زوج أحذية من بالي وبدلة من أرماني وربطة عنق "بوس" وقميص "فيرساتشي"،،، فهذا ما كان يقوم به عمرو بن لحي الذي يلعنه العرب ليومنا هذا!!! حتى الآن في عصر الطفرة النفطية والأموال الطائلة لا يوزعون ذبائح مجانية ولا ملابس راقية ولا حتى بالية ولا عسل أو حتى بصل... الله يرحم أيام خزاعة

المهم.. توارثت خزاعة سدانة بيت الله كابر عن كابر حتى انتهت إلى حليل الذي زوج ابنته، حُبى، إلى قصي بن كلاب، جد النبي محمد، وكان قصي هذا ارستقراطي فاحش الغنى وسياسي داهية وأظنه تزوج حُبى الخزاعية الجميلة الرشيقة التي يفوق جمالها جمال "إيمان بنورة" و "نانسي عجرم" بقصد الاستيلاء على الكعبة من خزاعة! وما يؤكد ظني هذا أنه وبمجرد أن انتقل حليل إلى جوار ربه (رحمة ربي عليه) حتى (طلع قصي لخزاعة من خشف الركبة) ليطالب بشرف سدانة الكعبة دوناً عنهم، الأمر الذي استفز جماعتنا كثيراً فدخلوا معه في حرب طاحنة طويلة ولكن بسبب الإمبريالية العالمية وتحالفات قصي مع ملوك الشام والعراق واليمن والحبشة وعلاقاته الاقتصادية المعقدة من خلال رحلتي الشتاء والصيف التي كان يقوم بهما في كل عام (راجع إيلاف قريش)، استطاع أن يجبر خزاعة على الدخول في مفاوضات مرثونية تحت عنوان "الأرض مقابل السلام" وبرعاية حليفه القوي "عمر بن عوف بن كعب" من تميم فخرج حكم عمر هذا فجا ومخالف لكل القوانين الدولية والأعراف المعمول بها فصرح دون خجل أو حياء:

"إن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة، وان كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع يشرخه تحت قدميه، وان ما أصاب خزاعة وبنو بكر من قريش وبني كنانة وقضاعه ففيه الدِّية مُؤدَّاة، وان يخلَّى بين قصي بن كلاب وبين الكعبة ومكة" (راجع سيرة ابن اسحاق)

خلاصة القرار 181 الذي خرج علينا به عمر بن عوف هو أن دماء الأبرياء من خزاعة موضوعة أي ليس عليها دية وأن دماء المحتلين القرشيين عليها الدية وبأن الكعبة (مالتنه) صارت لقصي! جماعتنا ما سكتوا عن هالقرار الجائر ولكن لم يكن بيدهم حيلة فاضطر زعيمهم "أبي عبشان الخزاعي" وقد كان عجوزا متخلفا ومصاب بنوع من الخرف المبكر والصرع "وضاربتنه أم الديفان"، اضطر لبيع الكعبة لقصي بـ "بطل" كونياك معتق وجلسة عود حيث أنه (رحمه الله) كان صاحب كيف ومحباً لجلسات الطرب وممن يقدر المسيقى الأصيلة!!!

ما إن استقر الأمر لقصي حتى قام بإبادة جماعية للخزاعيين ونفيهم خارج مكة ومنذ ذاك صاروا لاجئين في أصقاع الأرض وقد قام العرب بتزوير التاريخ والادعاء بأن خزاعة باعت بيت الله طواعية بـ "بطل" خمر فقالوا "أحمق من أبي غبشان" وقال شاعرهم:

باعت خزاعة بيت الله صاحبه - بزق خمر فلا فازوا ولا ربحوا

اليوم لابد للخزاعيين من المطالبة بحقوقهم التاريخية في الكعبة ومن يساندهم في ذلك يضمن أن يحصل على ميلك شيك وبدلة من أفضل الماركات العالمية عند زيارته لها.

تحياتي،
حسن الخزاعي

=======================
* "سيرة ابن هشام" لعبد الملك بن هشام بن أيوب
** "السيرة النبوية" لمحمد بن إسحاق بن يسار المطلبي

قانون الجمعيات



بالرغم من أني نشأت في بيت ديني ميوله الفكرية ولائية بحتة ثم مالبثت أن فسقت وتزندقت، بفضل السماء، وخرجت على إجماع العائلة الكريمة لأدين بدين إخواننا السيخ وبعضٌ من الهندوسية وشيء ليس بقليل من المجوسية والمانية، إلا أني لا أستطيع إنكار تأثير هالته المقدسة عليّ كلما مر بجانبي بالرغم من كونه شيرازي بامتياز!

لم أكن أعرف عنه أو عن تخصصه شيئا إلا أنه كان موسوعة بكل ما للكلمة من معنى، فقد كان خبيرا بالطب والفلك والفلسفة والمنطق كما كان ضليعا في التاريخ والسياسة وعلوم الاجتماع والتخطيط ولا يشق له غبار في التربية الأسرية والاقتصاد،،، لذا ظننته رجل دين، فرجل الدين هو الوحيد الذي يجمع بين كل هذه العلوم وزيادة وهو الوحيد القادر على إفتائك في كل شيء من دون أن يرف له طرف فهو الذي عنده علم الكتاب وإن لم ينتج شيء مفيد في حياته!!!

جلس، كعادته كل ظهيرة، عند عتبة باب المنزل وقد لف ذيله الحريري الأبيض حول مؤخرته المباركة وبسط ذراعيه بالوصيد متأمل في الكون الواسع وكأنه في يمارس نوع من أنواع اليوغا، مررت به فسلمت عليه فمد يده الشريفة لي لأقبلها، حتى قبل أن يرد عليّ سلامي، في تحد واضح لقرار الملك عبدالله الأخير بمنع تقبيل اليد فرميت بنفسي تحت قدميه وانسدحت وانبطحت أرضا وأخذت ألثمها تقديراً لعلمه الجم ووقاره وهيبته ولأني مشترك معه في رفض ذلك القانون الجائر الذي ينتهك حق الإنسان العربي في ممارسة مذلته بلذة ماسوخية مثيرة... قلت له وأنا أجر يده المقدسة نحوي لأقبلها:

- جيب خلنا نبوس،،، ترا حتى البوس يبغون يمنعونه هالأيام مولانا!!!

فرد سماحته بوقار:

- بوس يا ولدي بوس فلم يثبت عندنا حرمة البوس بعد!!

اغتظت من رد سماحته إلا أن هيبته منعتني من التصريح بما جال في خاطري لحظتها، فقد فكرت لوهلة أن هو وأمثاله من رجال دين متطرفين السبب الرئيسي وراء ما يحدث، فلولا تحريمهم للبوس لما اضطر الإنسان العربي لتقديس كل شيء حوله حتى يتمكن من تقبيله (المشكلة أنهم قدسوا كل شيء ونسوا النساء)!!!

حدثتني نفسي بأن اغتنم الفرصة وأسأله عن قانون الجمعيات وبلاء المشاركة ووبال المقاطعة وما إلى ذلك من أمور محيرة تقلق الساحة البحرانية في هذه الآونة، فسماحته كما أسلفنا خبير في كل فن ولا بد أن لديه ما يفيد:

- مولانا وش رايكم في قانون الجمعيات،،، نشارك لو ويش؟!

مسح على شاربه الشريف بيده المباركة وحرك ذيله حركتين وقال:

- ميـــاو ... ميـــاو يا ولدي ميـــاو، وإن كان لا بد منه فـ "نو نو"

- ما فهمت مولانا، وضّح!!

- أووه راح عن بالي يا ولدي إنه انته من العوام ولا تفقه لغة أهل الفن!! (عدال على روحك، اللي يسمعك يقول أنا أكلم راغب علامة مو قطو مصفع)

- يعني لو تتكرم مولانا وتكلمني بلغة أهل العوام لنستفيد من علمكم

تنحنح واعتدل وحرك جناحي أنفه الصغير ثلاث حركات سريعة، حتى أني ظننته سيطير، وأجاب:

- إيييه ذكرتني بالذي مضى... الجمعيات ياولدي زينة خصوصا إذا إنته اللي بتستلم أول واحد!

تحياتي،
حسن الخزاعي

الاثنين، سبتمبر 12، 2005

سياسة الأبواب المفتوحة



هذا الانفتاح السياسي المقرف يكاد يصيبني بحالة تقيء مستمرة،،، حرية التعبير الملعونة، الشفافية البغيظة وسياسة الأبواب المفتوحة أمور غاية في الوقاحة وتعد فاضح على حريات الآخرين يجب إيقافها جميعا... لا،،، أنا لا أمزح بل أنا جاد في ذلك تماما ولو أن أحدكم تعرض لما تعرضت إليه من انتهاك لأبسط حقوق الإنسان، بل وحتى الحيوان، بسبب سياسة الأبواب المفتوحة لطالب بإلغاء كل تلك السياسات المعتوهة حالا!!!

مساء الجمعة الفائتة رسمت على شفتي ابتسامة مصطنعة وقفزت للقطار في طريق العودة للمنزل بعد يوم عمل طويل، وبالرغم من أنها العطلة الأسبوعية إلا أنني لم أكن سعيدا باستقبالها أبدا، فتلك العطلة الملعونة تعني شيئا واحدا بالنسبة لزوجتي ... "تسوق"،،، تباً لهذا التسوق الملعون وتباً لكل الأسواق ومن ابتدعها، فعلاوة على الآلام المبرحة التي تصيب قدمنا الشريف جراء الطواف سبعا بكل دكان في تلك السوق الواسعة، وقرف الانتظار أمام غرف التبديل وألم محاولات غض الطرف البائسة عن أكوام اللحم الأبيض الشهي المتكدسة في ذلك المحل الضيق، وإصابات الرسغ والكاحل وأوجاع الظهر وانحناء العمود الفقري من ثقل تلك الأكياس اللعينة،،، علاوة على كل ذلك أرجع للبيت ومحفظتي المسكينة منكوبة مصابة بسوء تغذية أو مجاعة وقد فقدت جُل وزنها فغدت نحيفة نحيلة متقوسة الظهر كصاحبها تماما...

وأنا في الكرسي أفكر فيما يمكن عمله لفرض عقوبات اقتصادية على حرمنا المصون أو افتعال خلاف لرفع الدعم وقطع المساعدات بل وربما قطع العلاقات تماما لمدة يومين حتى تنقضي تلك العطلة المكلفة، وأنا كذلك فإذا بعجوز متهالك كان بالكاد يحرك رجليه، حتى أنني حسبته يمشي على بطنه لوهلة، جاء ليجلس في الكرسي المقابل لي.

نظر إليّ وابتسم فحركت رأسي حركة عمودية واحدة وابتسمت له رداً على تحيته،،، كح كحتين واعتدل في جلسته ومد يده الشريفة لجيب معطفه ليخرج إصبع موز ناضج،،، نظر لإصبع الموز نظرة غريبة وهو يمسح عليه بكفه ثم استدار نحوي فرمقني بطرف عينه نظرة وقحة وهو يبتسم ابتسامة صفراء شريرة،،، نظر مرة أخرى لإصبع الموز ثم أخرى باتجاهي فتعالت منه ضحكة كريهة فانقبض قلبي وشعرت بخوف فتكومت على نفسي كعذراء بريئة،،، مد اللعين إصبع الموز باتجاهي

- ألشوبليفت (تفضل)
- دانك يو ويل (شكرا)

أغمضت عيني فغفوت غفوة شاهدت فيها ذلك العجوز القبيح يطاردني في حقول قصب سكر مترامية الأطراف،،، لم أكن مرتديا ملابسي المعتادة عندها بل ساري هندي طويل، أحمر ومطرز في جوانبه بخيوط ذهبية جميلة،،، مسيقى مطاردات مرعبة وطبول تقرع بقوة بينما أنا أركض وأركض وأركض هرباً من ذلك العجوز الشبق،،، أتعثر في الساري الطويل ثم أنهض لأركض مرة أخرى،،، أتلفت ورائي بين الحين والآخر لأتأكد من أنه ابتعد،،، لا أجده هناك،،، أشعر بارتياح لخلاصي منه إلا أنني لا أتوقف عن الركض،،، ضوء في نهاية الحقل،،، وقع المسيقى يتسارع وتزداد وتيرة الضرب على الطبول،،، أكاد أصل لنهاية الحقل،،، لا لا لا،،، إنه هناك بانتظاري... "چوردو بيا چوردو"... "سيبني يا ابن الكلب، هو انته فاكرني إيه؟!"

أفقت مفزوعا لأجده ينظر إليّ والابتسامة لا تفارق شفتيه المقرفتين اللتين بدأ يمطهما باتجاهي وهو يمضغ تلك الموزة بطريقة مثيرة للتقزز،،، كان أشبه بضب يتثاءب.. اللعين لم يكن في فمه ولا حتى ضرس واحد! عندما انتهى من التهام إصبع الموز، الذي ليته غص به وفطس، بدأ بخلع معطفه فحدثت الكارثة،، إذ أن جسم هذا الفسّاء النتن لم يعرف الماء قط...

ما إن انتهى من نزع معطفه حتى ثارت غبرة صفراء، أعقبها صمت رهيب ثم انتشرت رائحة تشبه رائحة روث الدجاج مختلطة برائحة جبنة عتيقة،،، السيدة في الكرسي المجاور دخلت في غيبوبة مباشرةً بينما في آخر المقصورة امرأة مصرية بدينة، في خريف عمرها، وصلها شيء من تلك الرائحة فاهتزت اهتزازات شيطانية ثم لفت حول نفسها ثلاثاً وصرخت  "لا دايم إلا الدايم ... ولا دايم غير الله"،،، بعض الركاب حاول الفرار من نوافذ القطار الضيقة فيما آخرين صرعا على أرضية القطار،،، لم يعد في القطار كائنات تمشي على اثنتين ألبتة، فمن نجى من تلك الحادثة حتما سيقضي بقية عمره زاحف على بطنه!!!

كلا لم تنته المأساة بعد ولم يسدل الستار على فصولها المرعبة، فبعد انتشار سموم رائحته المميتة في دائرة قطرها عشرة أمتار أو أكثر قضى كل من كان بداخلها، خرج السفاح من المقصورة للحمام المجاور إلا أنه وعملا بسياسة الأبواب المفتوحة لم يغلق الباب خلفه بل تركه مفتوحا على مصراعيه ليصرع باقي الركاب... تعالت جلبة وصخب من صوب الحمام،،، الشمس قد غابت فجأة فيما خيم ظلام دامس،،، المرأة المصرية تصرخ "مين طفا النور؟!"،،، الركاب بين متعلق بالنافذة وبين "مسدوح" على الأرض فيما أنا ملتصق بالحائط كوزغة مصابة بتنمل في الأقدام... الرائحة تزداد،،، النور يتلاشى،،، الموت يقترب،،، أنفاسي تتقطع،،، الجاذبية تزداد قوة،،، رأسي أثقل من كرة حديدية،،، أكاد أقع صريعا ... اختتم المشهد وخيم صمت رهيب،،، أظن الستار قد أسدل!!!

أفقت بعد ساعات طويلة على كرسي صغير في زاوية المنزل،،، لست أدري كيف وصلت هنا،،، زوجتي تصيح "يالله قوم خلنا نروح السوق"!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة

الجمعة، سبتمبر 09، 2005

أشياء تشبه الوحي



ليس لمن هو مثلي مدفون تحت ذنوبه، منغمس بملذاته من كاهله لكاحله، هارب من ذاته لذاته أن يتجرأ ويدعي شيء كهذا،،، أي سفيه بل أي مخبول سيصدقني إن أنا تجرأت وأخبرته بما تقول؟!

لم يعجبه كلامي، على ما يبدو،  فاستشاط غضبا وصفعني بطرف جناحه الأيمن وأصر على أن أخرج للناس وأدعوهم!!!

عزف جنائزي كئيب ومسيقى تصويرية بطيئة أخذت بالتسارع فجأة،،، صفير ريح صفراء مرعبة يعلو تدريجيا،،، أتربة وغبار وأوراق شجر تتطاير وصرخات مخيفة تنطلق من زوايا المكان،،، الرؤية منعدمة تماما ورائحة الموت الباردة تسبح فوق رؤسنا،،، ضممت يديَّ وركعت تحت قدميه عبثا أرجوه أن يعفيني،،،

ما كان ملاكا من النوع الذي يمكنني التفاهم معه أبدا، فعلاوة على أنه لم يكن يجيد العربية تماما، قد كان متعصبا بل ومتطرف بعض الشيء حتى أني ظننته جديد بالمهنة أو لربما كان يعمل بنظام جزئي أو مؤقت،،، كان شكله مختلف بعض الشيء إذ أني لم أتخيل أبدا أن ألتقي يوما بملاك يسدل الغترة وهذا كان من النوع الذي يطلق اللحية وبشماغ يكاد أن يغطي ركبتيه المقدستين وقد رمى بشتا بدري اللون على جناحه الأيسر!!!

خاطبته مستنكرا وقد اصطكت أسناني خوفا:

- بس خوك شلون أگول للناس،،، نبي مرة وحدة محد بصدگني؟!! بعدين المفروض إنه خلاص ما فيه أنبياء بعد!!

عقد حاجبيه ونظر إليّ كمن ينظر لقطعة براز مقرفة ملقاة إلى جانب الطريق وقال:

- يا خروف،،، من گال لك نبي؟!

- عجل ويش،،، رسول؟!

- إنته ليش سور (يقصد ثور)،،، ما في فهم مولية؟!!

والله حالة،،، والله مردويسة،،، والله بغبسة .. أيعقل أن يخاطبني، أنا العبد الجليل، ملاك مبتدئ لا يجيد العربية حتى بهذه الطريقة المبتذلة؟!!! اللهم طـــــولك يا روح...

- طيب خوك فهمنا، إذا كان ما يصير أصير لا نبي ولا رسول عجل وش أصير؟!

- نبوس

- وش تبوس؟!! لا يكون انته ملاك من إياهم؟!! أرجوك إلزم حدودك ولا تفهمني غلط ها،،، ترا كلشي ولا هذا

قضّب جبينه وفغر فاه حتى بانت لهاته وصرخ بي فارتجت الأرض من تحت قدمي وصُمّت أُذنيَ ولدقائق طويلة لم أكن أسمع إلا "طـــــــــووووط" تتلوها "طـــــــــــــووووط" وبعد أن منت عليّ السماء بالخلاص من تلك الـ "طــــــــــــووووووطات" المتتالية، سمعته يقول:

- يا همار، نبوس يعني هالة (قصده حالة) بين نبي ورسول

ثم عطس واختفى!

فتحت عيني مفزوعا مرعوبا وقد بللت فراشي على ما يبدو، ولم تكن تلك مشكلة أبدا فبالإمكان دائما لصق التهمة بابنتي الصغيرة، إلا أن البلاء هو في مسألة كوني "نبوسا" للرب الآن!!! ترددت كثيرا وأصبت بحالة من التشكك في صحة ما رأيت إلا أني عزمت أمري وقررت أن أحكي ما رأيت لزوجتي علّها تساعدني على تفسيره... وكزتها وكزة لإوقظها من نوم هانئ فاستدارت إليّ منزعجة وقالت:

- وييييييييش؟؟

أجبتها:

- أنا نبوس!!

فردت بانزعاج وغضب:

- هد عنك هالسوالف وانچعس!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي

الخميس، سبتمبر 08، 2005

طور كآبة



عيناك الدمع الأسود فوقهما يتساقط أنغام بيان
عيناك وتبغي وكحولي والكاس العاشر أعماني

وأنا في المقعد محترق نيراني تأكل نيراني
أأقول أحبك يا قمري آآآه لو كان بإمكاني
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني

سفني في المرفئ باكية تتمزق فوق الشطآن
أأسافر دونك ليلكتي يا ظل الله بإجفاني
يا صيفي الأخضر يا شمسي يا أجمل أجمل ألواني
هل أرحل عنك وقصتنا أحلى من عودة نيسان
يا حبي الأوحد لا تبكي فدموعك تحفر وجداني
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني

فأنا إنسان مفقود لا أعرف في الأرض مكاني
ضيعني دربي ضيعني إسمي ضيعني آه عنواني
تاريخي ما لي تارخٌ إني نسيان النسيان
إني مرساة لا ترسو جرح بملامح إنسان

ماذا أعطيك أجيبيني، قلقي إلحادي غثياني؟
أنا ألف أحبك فابتعدي عني، عن ناري ودخاني
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني

قصيدة "عينيك" للكافر الفاجر الفاسق المرتد نزار قباني، الذي حتما سيشوي الله مؤخرته في نار جهنم حتى تغدو كليمونة سوداء يابسة كتلك التي تُستخدم في الصالونة، بل وأفتى آخرون باستحباب استخدامها في المچبوس والمحموص أيضا إلا أنه قول ضعيف ومردود عليه بل هو من بدع الرافضة الزنادقة والجهمية (راجع كتابنا الموسوم بـ "الصواعق المحرقة في خلط الليمون بالمرقة)

تلك القصيدة الكئيبة هي كل ما خطر ببالي ونظرات أولئك الملاحدة الملاعين تحرق ما تبقى من كرامتي المهدورة عند مجرى نهر آيسُل Ijssell المجاور وضحكاتهم الساخرة تريق ما لم يُرق بعد من كبريائي المهروقة... أقسم بأن الأرض اليابسة غدت تحت قدمي حقل عجين لين بالكاد أستطيع المشي خلاله،،، تغوص أقدامي بداخله عميقا فأتقزم .. أتقزم .. أتقزم حتى أكاد أختفي بداخله تماما،،، أتباطؤ .. أتباطؤ .. أتباطؤ حتى أكاد أقف في مكاني وأعينهم تغسلني كخرقة بالية مزقها الزمن،،، كـ "بيز" قذر بين يدي خادمة بنگالية مصابة بكآبة مزمنة وزكام... لست أدري أي خطيئة تلك التي اقترفتها حتى تعاقبني السماء هكذا،،، أخطيئة هي إن أراد الواحد منا الرجوع لأيام طفولته لحظة؟! أجريمة هي أن قلدنا الأطفال مرة؟!

فيما كنت أتهادى بين الربوع الخضراء ممتطيا "سبارتا - غزال" (هذا اسم دراجتي الهوائية الفاتنة) إذا بفكرة طفولية مجنونة تلمع في رأسي، التي تركها "بالهاج" متصحرة قبل يومين،،، فقد عزمت على أن أجرب حظي برفع كلتا يداي عن المقود كما يفعل أطفال الهولنديين في طريق ذهابهم للمدارس صباحا،،، تلفت إلى جانبي وورائي لإرى إن كان أحدهم يشاهد ما أنوي القيام به فلما وجدت الطريق خالية أسرعت قليلا حتى أضمن الحفاظ على توازني وتركت المقود من يدي وما هي إلا لحظات حتى وجدت نفسي أسبح في مجرى الماء مع بطة متخلفة عقليا ظنتني أمازحها!


الماء يغمرني،،، إني أغرق أغرق أغرق وأشياء خضراء مقرفة تعلق بي،،، مسيقى جنائزية كئيبة عزفت في المؤخرة فيما أصوات ابتهالات صوفية تتردد بين الحين والآخر "الله حي ... الله حي"،،، دفوف تضرب فوق رأسي... ألقيت بنظرة صوب "سبارتا" لأرى إن كانت لاتزال بخير فلم أجد سوى فقاعات الماء مكانها ...

عيناك الدمع الأسود فوقهما يتساقط أنغام بيان
عيناك وتبغي وكحولي والكاس العاشر أعماني

تركت "سبارتا" حيث هي غارقة وفارقتها، فراقُ صب وامق، وعيناي تفيض من الدمع حزنا ولسان حالي يقول:

أأسافر دونك ليلكتي يا ظل الله بإجفاني؟!

عند محطة القطارات انتظرت ساعة، أو بعض ساعة، حتى تجف ملابسي قليلا وركبت القطار،،، جلست بالمقعد فبدأت أقطر كصنبور ماء معطوب،،، نقط تتلوها نقط تتساقط من تحت المقعد على أرضية القطار محدثةً صوتاً ظننت بأن الكل يسمعه... أحسست وكأن مصابيح الكون كلها قد أطفئت لحظتها وبأن هالة ضوء بيضاء ناصعة أضيئت حولي أنا فقط، وبأن كل الأعين مركزة عليّ الآن،،، بالكرسي المجاور جلست عجوز شمطاء، تشبه المرحومة ميساء العجوز كثيرا،،، نظرت إليّ نظرة استهجان مقرفة ثم نظرة أخرى للكرسي الذي غادرته للتو، إذ أن اللئيمة الساقطة ظنت بأني قد أحدثت على الكرسي شيئا،،، تباً لها تلك الفسّاءة الصغيرة، كم كان بودي أن أمسك بتلابيبها وأبصق برقبتها وأركلها بخاصرتها النحيفة ركلة تكون القاضية...

لم تكن تلك العجوز هولندية أبدا بل كانت بملامح شرق أوسطية وربما فارسية بالتحديد، إذ أني عندما تذكرت "سبارتا" المسكينة وفراقي المؤلم لها رددت قول نزار "يا صيفي الأخضر يا شمسي يا أجمل أجمل ألواني" وما إن سمعتني أقول "شمسي" حتى استدارت لي وضحكت بغنج، فشككت بأن اسمها ربما يكون "شمسي"!!!

لتكتمل دائرة النحس عليّ، عندما رجعت للمنزل وجدت بأن زوجنا المصون قد نسيت هاتفي النقال في بطن الغسّالة وأدارتها عليه عشر دورات أو أكثر في وسط كومة من الملابس وطوفان من صابون الغسيل والكلوركس فخرج من بطنها مصاب بالدوار فتقيء ما في بطنه وهلك!!!

أبعد كل هذا تلوموني إن أنا دخلت في طور كآبة؟!

تحياتي،
حسن الخزاعي

الثلاثاء، سبتمبر 06، 2005

صاحب الجلالة "بالهاج"

يبدو بأن اهتمامي بالسياسة قد قل، أو ربما تلاشى بالمرة، فلم أعد أكترث لما يحدث بالبحرين أو حولها أو ما يمكن أن يترتب عليه في المستقبل أبدا، إلا أني وبالرغم من هجري لتلك الأمور الكريهة لم أتمكن بعد من خلع ما ألبستنيه السياسة أو ما خلعه عليّ التسلط،،، تأكدت من ذلك بالأمس تحديدا عندما اضطررت لزيارة الحلاق، فبعد امتناع عن الذهاب إليه لأزيد من شهر، طال شعر رأسي حتى كاد أن يلامس كاحلي، وبجسم أسمر نحيل صرت أشبه، إلى حد ما، المجاهد الأكبر آية الله "ماوگلي" (قدّس الله ظله على رأي أصحاب الرايات البيض) حتى أن أطفال الحي الذي أسكنه كانوا يرددون بخبث "لاير لاير لاير لا ... ماوگلي ماوگلي" كلما مررت بالقرب من أحدهم!!!


عند نهاية شارع "آيسُلاند سترات" Ijssellandstraat، وعلى طرف مجرى مائي هو المركز الرئيسي لمجموعات طائفية بغيضة من البعوض، تلاحقنا من دون خلق الله لتنال من دمنا الطاهر رشفة أو رشفتين كضريبة مرور كلما أجبرتنا الأقدار على زيارة ذلك الطريق الموحش،،، عند نهاية الشارع حلاق مغربي ظريف، اسمه "بالهاج"، اعتدت الذهاب إليه كباقي المهاجرين العرب والمسلمين الذين يقطنون الحي، وكعادتي دائما أسلمت رأسي لـ "بالهاج" الذي لا يتقن من فن التزيين سوى تسريحة واحدة كان دائما عادلا في تطبيقها على الجميع... لست أدري إن كان "بالهاج" قد درس الحلاقة في مكان ما قبل أن يمارسها هنا، إلا أني أكاد أجزم بأنه تعلمها في مزرعة لتربية الخراف، إذ أن تسريحته الفريدة تشبه إلى درجة كبيرة جز الصوف من خروف بائس! وبما أننا كنا في الغالب شرق أوسطيين معتادين على لعب دور الخراف دائما، هذا إن لم نكن خراف أصلا، لم يكن أحدنا لينطق ببنت شفاه أو ليعترض على عدل "بالهاج" وهو بدوره ما كان ليشرع في جز الشعر من رؤوسنا المينعة قبل أن يسأل ضحيته عن التسريحة التي يحبذها...

ألقيت برأسي طوعا على كرسي "بالهاج" ونظرت في المرآة أمامي وإذا بي أراني وكأني خروف صغير قد وصل مرحلة البلوغ حديثا فصحت لا شعوريا "مااااااء مااااااء" إلا أني كنت محظوظا إذ لم يسمع مأمأتي، أو لعله سمعها وتغاضى!!! شرعت أشرح له، عبثاً، التسريحة التي أود الحصول عليها وهو يجيبني بعد أن أنتهي من كل جملة "واه .. واه"، والتي تعني نعم على ما يبدو باللهجة المغربية،،،

- قصّر الجوانب شوي
- واه .. واه
- وقليل من فوگ
- واه .. واه
- وشوية من گدام بعد
- واه .. واه

كلما أجابني "واه .. واه" ازداد استمتاعي بالحديث معه بالرغم من معرفتي المسبقة من أن أي من تلك الرغبات لن يتحقق أبدا،،، هززت رأسي طربا كراقصة هندية ورحت أضرب الأرض بقدمي اليمنى مع كل مرة يجيبني فيها "واه .. واه" فيما باقي الزبائن، أو الخراف الصغيرة الأخرى المنتظرة جز صوفها، راحت تتمايل وهي مبتسمة سعيدة،،، بدا "بالهاج" مستمتعا بتكرار "واه .. واه" بالقدر الذي أستمتع فيه أنا بسرد رغباتي وبقى حالنا كذلك،،، أنا أطرح رغبة وهو يجيبني "واه .. واه" حتى رفع أحد الخراف كلتا يديه ووقف على رجليه وصاح:

"واه واه ودان وا دانة .. واه واه ودان وا دانة .. واااااااااه أموت بحبك آآآنه"

فيما لا يتعدى الدقيقة ترك "بالهاج" رأسي كجوزة هند متيبسة على قارعة الطريق، ثم أخذ مرآة دائرية صغيرة ليريني رأسي من الخلف وقد أصابها ما يشبه التصحر فيما برزت أذناي كمكبرات صوت منسية على جدار مسجد مهجور أو ربما كأذني فأر معاق، ثم سألني:

- طيبة؟! (يقصد الحلاقة)

فما كان لي إلا أن أجيبه "واه .. واه"

كشأن كل السلطات في بلادي تسألك عما تريد ثم تفعل هي ما تريد، وليس لك عندها إلا أن تمتدح ما فعلته بك إلا أن الفرق بين "بالهاج" وأولئك، انه كان دائما عادلا فيما يفعل بنا.

أما أنتم هناك، في بلاد العجائب، فغنوا معي

"واه واه ودان وا دانة .. واه واه ودان وا دانة .. واااااااااه أموت بحبك آآآنه"

تحياتي،
حسن الخزاعي

الاثنين، سبتمبر 05، 2005

عملاء المخابرات مرة أخرى




تبا لأجهزة المخابرات اللئيمة وكل عملائها اللعناء الذين لا يأتونا إلا قيضا (ربما لمواصلة التنغيص علينا وملئ الفراغ الذي تركه الصحافيون في فترة إجازاتهم الصيفية)... في العطلة الأسبوعية الفائتة، والتي كانت مشمسة على غير العادة، أعادت تلك الأجهزة الملعونة إرسال عملائها الأنذال للنيل من جسدنا الطاهر الشريف،،، كنت أسمع أزيزها وطنينها، الذي ملأ الغرفة، إلا أني لم أتمكن من رؤيتها ألبتة الأمر الذي سهل مهمتها كثيراً فنالت من جسدنا الشريف ما يقارب العشرين قرصة! ارتأيت بأن أخرج "كخروج موسى خائفا يتكتم" وأنزل السلم الخشبي، شديد الانحدار، للطابق الأرضي عليّ أحضى بليلة هادئة هانئة بعيدا عن تلك الحشرة السافلة، إلا أني في غمرة الخوف والفزع نسيت نظاراتي، التي من دونها لا أبصر إلا بالقدر الذي تمتع به الفاسق الضال "طه حسين" في حياته، الأمر الذي تسبب في سقوطي سقوطا حرا من أعلى السلم حتى أسفله،،، وعند عتبة السلم الأخيرة، تكومت على نفسي وهيدب دمعي الطاهر يكاد يبل كريمتي،،، ثلاثة عصافير بيض رسمت دوائر كارتونية فوق رأسي بينما تدلت قدمي اليمنى من فوق كتفي الأيسر ورأسي مزروع في خاصرتي،،، السنفونية الخامسة، للكافر بيتهوفن، عُزفت على جسدي المتكوم كأطراف لا علاقة لبعضها ببعضها الآخر فأيقنت بأني رأيت السيد عزرائيل شاخصا أمام عيناي فسألته أن يستمهلني ساعة، أو بعض ساعة، أودع فيها الأهل والأحباب!!!

الإجازة الأسبوعية الفائتة لم تكن سعيدة أبدا، فبعد ذلك الهجوم الغاشم والسقوط المؤلم وما تركه من أثار دمار شامل ومناطق منكوبة في مختلف أنحاء جسدنا العليل وأرجائه لا تضاهيها حتى تلك التي نكبها إعصار العاهرة الفاجرة كاترينا، بعد كل ذلك أشارت عليّ زوجتي بأن أتعالى على آلامي وأن أذهب معها في رحلة تسوق علّي أبرأ أو تخف أوجاعي!!! كان بودي أن أمسك بتلابيبها وأصرخ بوجهها بأن رحلات التسوق تلك لا تخفف من آلامي شيئا بل أنها تزيد من أوجاعي وتنكب محفظتي التي نجت من أثار الهجوم الآثم والسقطة العظيمة إلا أني لم أجرؤ على فعل ذلك لأسباب عقائدية وأخرى فنية!!!

مشيت الطريق لمحطة القطارات المركزية اتوكأ على مظلة عتيقة بالرغم من أن السماء صافية وليس بها أثر لغيم، تسلقت عتبات القطار الثلاث كمخلوق نصف آدمي لازال يمشي على أربع، حتى أني رأيت طفلة بغيضة تشير إليّ من بعيد، ساخرة وهي تقول "سميگل ... سميگل" (Smeagol) قاصدة تشبيهي بمخلوق الگولم (Gollum) المقرف الذي ظهر في فيلم "سيد الخواتم" ... سامحتها الآلهة، فهي لا تدرك بمن سخرت ولا تدرك جلال قدرنا وعظم مقامنا وتاريخنا النضالي الطويل!!!

في القطار ألقيت برأسي، أو ما تبقى منها، على الكرسي ورحت أتمتم بأغنية تذكرتها فجأة:

علمني حبك أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور لمرأة تجعلني أحزن ...
لمرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور
لمرأة تجمع أجزائي كبقايا البلور المكسور

أحسست وكأن صوتي رائع جدا فرحت أردد الأغنية مرات ومرات،،، صوتي الملائكي يصدح ويطرب كل ركاب القطار،،، بعض النساء بدأن يبكين فيما صرخ بعض الرجال لشدة ما استمتعوا بوصلة الطرب تلك وبكاء الأطفال ملأ المسامع،،، انطلق صوت من مكبرات الصوت (أظنه كان الكابتن) وتحدث بالهولندية التي لا أفطن منها شيئا إلا أني ظننته انتشى طربا هو الآخر،،، لحظات من الصراخ والعويل والتصفيق حتى تخطى الجموع عجوز تجاوز المائة عام ونيف، بينه وبين القبر ليلة أو ليلتين على أكثر تقدير،،، مشى نحوي وروحه تكاد تفارق جسده وبعد أن أجهده المشي واصل طريقه حبواً إلى أن وصل عندي وبنوازع شريرة أردت أن أزيد من معاناته بأن أطربه بأغنية أخرى فهممت أن ألقي على مسامعه رائعة سيد مكاوي "وحوي يا وحوي إيييوحا.. وكمان وحوي إيييوحا" إلا أني توقفت رأفتا بحاله وخوفا من أن يُسلم المسكين روحه... بعد أن وصل عندي توجه لي بكلمة في صيغة سؤال:

- كازم؟! (يقصد كاظم)

فهززت له رأسي موافقتا وقلت "نعم" فما كان من ذلك العجوز الفسّاء اللعين إلا أن بصق في وجهي ودلف!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي
روتردام المحروسة

الجمعة، سبتمبر 02، 2005

طريق العنز للجنة



توقفت سيارة ليموزين إلهية، بيضاء مجنحة، إلى جانب الطريق السريعة المؤدية للسماء السابعة مرورا بالست الأخريات دون توقف عند أي منها،،، ترجل من تلك الليموزين "الإكسبرس" ملاك صغير بالكاد كانت أجنحته تبين، فاستقبل الانتحاري وحيّاه بحرارة (ظنها الانتحاري آخر حرارة يحس بها قبل دخوله الجنة)... نظر الانتحاري بريبة لذلك الملاك الصغير الذي بدا متأثراً بالثقافة الغربية لحد ما، فتسريحة شعره الغريبة والجل الذي يسغسغ من ريش جناحيه يشيان بذلك، إلا أن الملاك لم يبد اكتراثا لنظرات الانتحاري المرتابة وتابع التصرف بعفوية تامة فأدار مسجل الليموزين الإلهية لتنطلق منها أصوات اغنية جميلة:

A little bit of Monika in my life ... A little bit of Erica by my side


هز الملاك الصغير جناحيه وتراقص طربا مع ألحان الأغنية فيما كان يترك مقود السيارة ويرفع كلتا يديه عاليا ويصيح بين الحين والآخر A LITTLE BIT OF متابعا للمغني وهو يرددها مما أثار استياء الانتحاري من تلك التصرفات الغير محتشمة فثار غضبه وصرخ بالملاك ناهرا:

- أطفيه بلا مونيكا بلا إيريكا وشغل لنا قرآن

ارتسمت ابتسامة خبيثة ساخرة على طرف فم الملاك الجميل وأجاب الانتحاري:

- قرآن ألحين؟! إحنا رايحين الجنة يعني خلاص ما كو داعي كلشي صار حلال، بعدين مونيكا وإيريكا وجيسيكا هذولة حور عين مو أي كلام... خلك سبورت شوي عاد

ما إن سمع الانتحاري قول الملاك بأن مونيكا وزميلاتها حور عين حتى اعتدل في جلسته وتحركت في نفسه أشياء وأشياء وحمد ربه وأثنى عليه وكاد أن يرتمي على أرضية الليموزين الإلهية ليقبلها ويبلها بدموعه الطاهرة لولا أن الملاك التفت إليه قائلا:

- خوك أرجوك رجا،،، تونا منجدين الليموزين وما فينا شدّة نرد ننجدها... كل مرة نوصل انتحاري ونگول له شي عن الحور العين يگعد يتبچبچ ويلعوزها سناسين...

قطعت الليموزين الإلهية آلاف السنين الضوئية، بين السماء الأولى والسابعة، في وقت قصير جدا فيما الانتحاري لا يتوقف عن طرح الأسئلة على الملاك الصغير عن الجنة وأحوالها والحور العين وأشكالهن والولدان المخلدين وأعدادهم والملاك يجيبه عن تلك الأسئلة ويثير في نفسه نار الشوق لدخول الجنة... لحظات وتوقفت الليموزين الإلهية عند بوابة جنة الفردوس الفخمة ففغر الانتحاري فاه في ذهول،،،

مُدت سجادة حمراء طويلة من عند باب الليموزين، حيث ترجل الانتحاري بصحبة الملاك الصغير، لعند بوابة جنة الفردوس حيث اصطف ثلاثة من الصحابة في ثياب قصيرة جدا لاستقباله،،، بدا للانتحاري وكأنه يعرفهم فابتسم لهم وابتسموا له حتى اهتزت أكراشهم المدببة،،، رفع كل واحد منهم شماغه إلى خلف أذنيه حتى غدا كحجاب أندنوسي ثم أمسك كل واحد منهم بيد الآخر وراحوا يتمايلون يمنة وشمالا وهم يغنون في فرح:

"يا طيبة يا طيبة يا دوا العيّانا اشتقنا لك والهوى نادانا"


أصطحب الصحابة الانتحاري فسألهم إلى أين يأخذونه فأجابوه بأن الوقت لازال صباحا وذلك دليل على حسن طالعه إذ أنه سيحضى بساعة إفطار جناوي مع الرسول بل وربما يشرب معه فنجان قهوة صباحية مباركة أو "استكانة" شاي... أطرب ذلك الخبر مسامع الانتحاري فغنى بصوت لا يختلف كثيرا عن صوت فريد الأطرش:

"ساعة بقرب الحبيب أحلى أمل في الحياة"


إلا أنه سارع للاستغفار عن هذ الذنب الكبير الذي اقترفه فطبطب أحد الصحابة على كتفه قائلا:

- ولا يهمك خوك أنت في الجنة ألحين كلشي أوكيييه

في الطريق مر الانتحاري بربوع الجنة الخضراء فرأى خرافها الوردية وأبقارها الهولندية البنفسجية ففرح وقرت عينه إلا أنه استاء لرؤية بعض البحارنة، الذين دخلوا الجنة حتما عن طريق الخطأ أو من خلال واسطة ما، استاء لرؤيتهم وقد أفسدوا نهري اللبن والعسل معا... فقد كانوا يسبحون بسراويل قصيرة (ماركة "أبو طقطق") في نهر العسل ثم لا يلبثوا أن ينتقلوا لنهر اللبن وبالعكس مما أفسد النهرين وخلط عسلهما بلبنهما!!!

قبل أن يصل الانتحاري والصحابة المرافقين له إلى حيث أخبروه بوجود النبي، رأى للمرة الأولى ثلاث حوريات عين، اثنتين في مايوهات صفراء فيما الثالثة ترتدي "جي سترينگ" أسود مثير،،، وما إن وقعت أعينهن عليه حتى رددن في صوت واحد وهن يتراقصن رقصة السيف البدوية المشهورة:

"يا هلا باللي لفانا يا هلا به عدد دگات گلبي في غيابه"


انطلق الانتحاري نحوهن كثور هائج فيما حاول أحد الصحابة عبثا أن يمسك بيده لإيقافه قائلا:

- بنروح للنبي!

فرد الانتحاري:

- أي نبي هالحزة؟! بعدين.. بعدين

ظن الانتحاري لابد وأن يكن مونيكا وأيريكا وثالثتهم الجميلة جيسيكا،،، تلاشت الجاذبية من تحت قدميه وأحس بأنه يطير وهو يصرخ فرحا "مونيكا ... مونيكا"،،، سعادته تزداد والجاذبية تزداد انعداما من تحته،،، دقات قلبه تتسارع وصوته يخفت ويخفت،،، لم يعد باستطاعته نطق الإسم كاملا،،، "مونيـ ... مو ... مو ... مااا ... مااااا"

أفاق الانتحاري فجأة مما يشبه الغفوة وهو يصيح "ماااا ... ماااا ... ماااا"،،، ألقى نظرة سريعة على جسده فإذا به يراه مغطى بالصوف بينما تحولت قدماه إلى كراعين عنزة صغيرة وكذلك يداه،،، انعدام الجاذبية لم يكن إلا بسبب أولئك الرجال الذين يحملونه إلى المذبح، ارتعدت فرائصه واصطكت أسنانه من هول ما يراه،،، استجمع قواه وسألهم باستنكار:

- وش السالفة يا جماعة؟!! أنا مو في الجنة لا؟!!

تعالت ضحكاتهم فيما أجابه أحدهم:

- لا يالطيب،،، الله طورك شوي وبعثك غنمة تقديرا لجهودك الجبارة والحين بنذبحك ويمكن في المرة الجاية ينعم عليك ويسويك فار!!!

تحياتي،
حسن الخزاعي

الخميس، سبتمبر 01، 2005

مأساة الكاظمية





ألف قتيل عراقي في الكاظمية؟! لا مشكلة كلها كم يوم وينسى العراقيون قتلاهم، أليسوا هم شعب المقابر الجماعية والمجازر، شعب الأنفال وحلبچة وضحايا السجون والمخافر؟! مساكين،،، قتلتهم الزحمة والحر وانهيار الجسر وطبعا لا دور لسرايا المقاومة الباسلة في ذلك كله، إذ أنها إنما أطلقت بعض قذائف الهاون احتفالا بالمناسبة، على ما يبدو، ومشاركة منها في إحياء ذكرى استشهاد إمام الشيعة (موسى الكاظم)، وإن أوقعت تلك القذائف سبعة قتلى في البداية فتلك حادثة عرضية لا علاقة لها بما حدث بعد ذلك فوق الجسر من تدافع!!! ثم إن المتابع لتاريخ المقاومة الناصع لا يجد ما يدل على استهدافها للشيعة أبدا بل على العكس من ذلك تماما كانت تشاركهم في كل محفل، في أفراحهم.. أتراحهم.. مساجدهم.. مآتمهم،،، أونسيتم مشاركتها إياهم في كربلاء والكاظم والصحن الحيدري وإحيائها تلك الجنازة الشيعية في النجف والأخرى في الموصل؟!

ألف طفل تفوح منهم عطور الجنة،،، ألف أمرأة في عباءة كل واحدة منهن عبق الأمومة،،، ألف شيخ،،، ألف عجوز... ألف بريء،،، ألف ألف ألف ألف ألف آآآآآآآآآه وآآآآآآآآآآآه

اليوم ذكرى السنة الأولى لمجزرة الأطفال في مدرسة بيسلان، المدينة الروسية، وفي مثل هذا اليوم تماما من العام القادم سيحيي الشيعة في العراق الذكرى السنوية الأولى لمجزرة الكاظمية فيما آخرين في مكان آخر من هذا العالم الكريه سيقعون ضحية شهوة القتل السلفية وهكذا دواليك إلى أن تُهلك السماء آخر حشرة سلفية مقيتة... ترى من المسئول؟! ابن تيمية، محمد عبدالوهاب، ابن باز أم ابن عثيمين وباقي جوقة العوران التي تفتي الناس بكفر كل من يجرؤ ويختلف مع فتاواها المتخلفة أو يقرأ التاريخ قراءة أخرى غير تلك التي يحاولون فرضها وإجبار الناس على الإيمان بها؟! أم أن المسئولية تقع بالدرجة الأولى على المثقفين العرب الذين لا يمتلكون الجرأة لتعريف الناس بحقيقة الدين المتخلف الذي يدينون به؟ أم أنها ربما تقع على الإعلام العربي الذي يزين الذبح ويمجد القاتل السفاح؟! لست أدري بل ولست مهتما لمعرفة الإجابة، فبالنسبة لي كل أولئك مسئول بالقدر نفسه.


گریه کن گریه قشنگه *** گریه سهم دل تنگه


تحياتي،
حسن الخزاعي